فرسان المعبد هي منظمة سياسية ومالية قوية نشأت في الأصل خلال فترة الحملات الصليبية لحماية الأرض المقدسة في فلسطين وخاصة القدس من أيدي المسلمين، وعادة ما يؤدي أعضاؤها يمينا جديا لحماية القدس. ويرجع اسم فرسان المعبد نسبة إلى جبل الهيكل في القدس، وهو مكان هيكل سليمان سابقا، حيث أسس هؤلاء الفرسان المسيحيون معسكرهم الأول أثناء الحملات الصليبية. أُخِذَت القدس من المسلمين في مطلع القرن الحادي عشر الميلادي ووضعت تحت حماية نظام حكم الفرسان المسيحيين وأغلبهم من فرسان المعبد، وسميت آنذاك بــ(مملكة القدس). ولكن في عام 1187 استطاع المسلمون استعادة الأرض المقدسة بما فيها القدس عندما استطاع صلاح الدين الأيوبي هزيمة جيش فرسان المعبد في معركة حطين في شهر يوليو، وفي النهاية استسلمت مملكة القدس لصلاح الدين الأيوبي في 2 أكتوبر 1187، ومن هذا التاريخ بقيت القدس عربية. كانت الملامح الظاهرية للحروب الصليبية دينية، ولكن العامل الاقتصادي كان يشكل الدافع القوي لنشوئها ولا يمكن انكاره، فأوروبا كانت تعيش في ذلك الزمان في فقر مدقع، وكان السياح المتوجهون إلى الشرق وخاصة إلى منطقة الشرق الأوسط يتحدثون عن الغنى والرفاه الذي تعيشه بلدان المنطقة فاتحين شهية شعوب أوروبا لغزو هذه البلدان. عندها دعا البابا أوربان الثاني عام 1095 ملوك وأمراء وشعوب أوروبا إلى إنقاذ الأراضي المقدسة في فلسطين من أيدي المسلمين، فهب الجميع لتلبية ندائه، وهكذا تشكلت الجيوش الصليبية. وكان الدليل الأوضح على أن العامل الديني لم يكن الدافع الوحيد للغزو هو أن الجيش الصليبي قام بنهب المدن التي مر بها حتى وإن كانت هذه المدن مسيحية في الأصل، فمثلا تعرضت مدينة القسطنطينية (اسطنبول حاليا) وهي من أشهر المدن المسيحية آنذاك لنهب كبير من قبل الجيوش الصليبية أثناء حملاتها الصليبية، حيث استولت هذه الجيوش عام 1099 على مدينة القدس بعد حصار قصير أوقعت فيه مذابح رهيبة بسكانها من المسلمين واليهود. وكانت هذه هي البداية لتنظيم فرسان المعبد عندما تشكل تنظيمه عام 1118 بعد انتهاء الحرب الصليبية الأولى واستيلاء الصليبيين على انطاكيا وبيت المقدس، وتعيين جو دفري دي بويون ملكا على بيت المقدس. وكان الهم الأكبر للجيش الصليبي هو المحافظة على الأراضي التي استولوا عليها والتي كانت تمتد من فلسطين حتى منطقة انطاكيا. وأسسوا فيها دولة صليبية، واستجلبوا الكثير من الأوروبيين إلى فلسطين وعاشوا فيها أول الأمر عيشة الرهبان، وفي الوقت نفسه كانوا يتدربون على القتال لمواجهة المسلمين. لقد ارتبط اسم فرسان المعبد بمعبد سليمان عندما اتخذوا التل الموجود بجوار آثار المعبد مقرا لهم، وسرعان ما كسب هؤلاء الفرسان الفقراء ثروات كبيرة جرّاء قيامهم بحراسة الحجاج المسيحيين الوافدين إلى فلسطين، وأخذهم مبالغ كبيرة منهم، مما جعلهم يتحولون من جنود فقراء إلى أغنياء، بل بدأوا مباشرة بعمليات الإقراض بالربا حتى عُدُّوا من أوائل الذين أسسوا نوعا من المصارف الربوية القائمة على إعطاء الصكوك. يقول أحد الباحثين إن فرسان المعبد كانوا من الذين خرجوا على النصرانية وأصبحوا لا يؤمنون بألوهية المسيح ولهم نظرية خاصة في الألوهية تقول: «يعترف فرسان المعبد في نفس الوقت بإله الخير لا يصل إليه البشر، وليست له اشكال مادية ظاهرة، كما يؤمنون بإله للشر يمثلونه بصنم وهو الإله الأدنى الذي ينظم العالم المادي في هذا الكون». وقد قطع فرسان المعبد على أنفسهم بأن يتركوا الفروسية الدنيوية ويتفرغوا لحراسة الطرق وحماية الحجاج المتجهين إلى القبر المقدس في عهد ملك بيت المقدس بلدوين الثاني، الذي قدم لجمعية فرسان المعبد جناحا في قصره الواقع بالقرب من منطقة معبد سليمان ليقيموا فيه، وقيل ان هذا الأمر اعطاهم تسمية فرسان المعبد. وكان مجلس تروي المقدس قد صادق في عام 1128 على إنشاء جمعية لفرسان المعبد، بل وصل الأمر إلى أن البابا نفسه صادق على هذه الجمعية وأصدر لفرسان المعبد وثيقة اقسموا فيها على الالتزام بالعفة والطاعة واعتبروها شعارا للجمعية. ولاستكمال الصورة، نسأل: كيف يتم قبول العضوية في جمعية فرسان المعبد؟ جرت العادة أن تقبل الجمعية في صفوف عضويتها الفرسان الخوارج والمذنبين بعد أن يتوبوا، بحيث يكون لهم امتياز ديني خاص وهو انه ليس بالإمكان قبول نفيهم من الكنيسة بعد أن أسبغ البابا عليهم وعلى جمعيتهم حمايته، بل سمح لجمعيتهم بأن يكون لها كنائسها الخاصة بها. وبمجرد مرور بضع من الوقت على قيامها حتى ذاع صيتها وانتشرت أخبارها في سائر انحاء أوروبا. وفي بداية قيامها كان رئيس هيئتها يسمى سيد المعبد حين كان مركزها في بيت المقدس، ولكن لما سقطت القدس في ايدي المسلمين لجأت الجمعية إلى جزيرة قبرص وأطلقت على سيدها (الأستاذ الأعظم). وكانت هيئة الجمعية منذ بداية نشأتها تنقسم إلى أربعة مصنفات هي: الفرسان، القساوسة، الجاويشية أو التابعون، ثم الخدم. وفي بداية أمر فرسان المعبد قاموا بعدة أعمال لها قيمة كما يقول أحد الباحثين، حيث امتازوا بالإخلاص والشجاعة في كثير من معاركهم، ولكن التزامهم بألاّ يعيشوا من غير الصدقات جعلهم يسعون إليها حتى تماطرت عليهم الهبات الكثيرة والضخمة من كل جهة، فكثرت اموالهم وتخلصوا من فاقتهم بعد أن انتشروا في الأقطار الأوروبية وغدت جمعيتهم قبل نهاية القرن الثاني عشر جمعية غنية شديدة البأس والثراء، حيث امتلكت الكثير من الأملاك في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا، وأصبحت المعارك الصليبية للفرسان مجالا ومصدرا للجاه والثراء، حتى بلغ الأمر بزعمائهم منافسة الملوك في الفخامة والسلطان والبذخ واستمر سلطانهم ينمو ويتوطد في ظل استمرار وثبات الفكرة الصليبية لانقاذ الأراضي المقدسة، إلى درجة أن ارتبط تاريخ جمعية فرسان المعبد بسير الحروب الصليبية التي كانت أساس قيامها. ومع ان فرسان المعبد قد ضعفت شوكتهم في فلسطين بعد هزيمتهم في معركة (حطين) إلا أنهم حافظوا على كيانهم في أوروبا، بل ازدادوا قوة ونفوذا بمضي الوقت وخاصة في فرنسا، حتى أصبحوا دولة داخل دولة في العديد من دول أوروبا. وقد أدى ذلك إلى قلق ملوك وحكام أوروبا، مما جعلهم مكروهين من رجال الدين لأنهم بدأوا بالابتعاد عن العقيدة المسيحية باستخدامهم طرقا منحرفة عن التعاليم المسيحية والكنسية، ذلك انهم تبنوا بعض التعاليم السرية الباطنية مما زاد من شهرتهم بأنهم طائفة تقوم بطقوس غريبة. https://halbinfalah.wordpress.com
مشاركة :