القافلة تسير ، والكلاب تنبح

  • 12/7/2014
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

الملك عبد العزيز رحمه الله أمر بإنشاء (دار البعثات) في مكة، وأول بعثة دراسية ذهبت للخارج كانت في عام 1348 ــ أي قبل (88) سنة ــ وسار على خطاه الملك عبد الله حفظه الله، واليوم هناك ما لا يقل عن (200) ألف طالب مبتعث في أرجاء المعمورة، بعد صيام عقدين من الزمن، كانت بالنسبة للبلاد سلبية إلى أبعد الحدود. ومع الأسف لازالت هناك أيادٍ خفية و(ظلامية) تحاول أن تصد هذا الزحف (الحضاري) وتلعب بعقول صغار المبتعثين لتردي بهم في مهالك الإرهاب، غير أنه في النهاية لن يصح غير الصحيح، والأصابع لن تغطي عين الشمس مهما حصل. وإليكم هذه النافذة، أو الشهادة الوثائقية التي دونها الأستاذ (حمد الجاسر) رحمه الله، الذي ابتعث مع عدد من الشباب إلى مصر سنه 1351، ويقول فيها: لقد كان مدير البعثة التي أنا أحد طلابها السيد (ولي الدين أسعد) ــ رحمه الله ــ وهو على جانب كبير من الحزم، بدرجة أن بعض الطلاب لا يقدرون على مغادرة الدار إلا بإذن منه، وبإشراف عليهم من قبله، ولكن من الطلاب من يتجاوز الحدود والقيود، وفي تساهل البوابين ليلا مع إرضائهم ما يهيىء السبل. وهناك من الطلاب من ينظر إليهم الأستاذ المراقب نظرة ثقة واحترام وكنت من بين هؤلاء فأنا أخرج في أي وقت أشاء. وقد أمضي الليل مع بعض الإخوان، ولست (قديسا) ولكنني في تلك الأيام على درجة من المحافظة تتجاوز الحد فلا أظهـر إلا باللباس العربي الكامل، من العقال المقصب إلى الحذاء النجدي. وكنت أواظب على الذهاب إلى مسجد قريب من دار البعثة لاستماع صوت المقرئ المعروف الشيخ محمد رفعت ــ رحمه الله ــ. ومع ذلك فقد أزور دور اللهـو والمرح. لقد كنت أحب أن أعرف ما أسمع الناس يتحدثون عنه، فدخلت في بعض دور (السينما)، وشاهدت بعض ما يعرض فيها. وأذكر أن أول فيلم رأيت فيه محمد عبد الوهاب وهو يغني (يا وابور قل لي رايح على فين)، وفيلم رأيت فيه صباح وهي تغني (أنا ستوتة). وسمعت من أغاني أم كلثوم في ذلك العهد: ليه تلاوعيني ، وانت نور عيني إيه جرى بيني في الهوا ، وبينك وكنت أرتاح كثيرا عندما أشاهد (ماري منيب) تمثل في مسرح الريحاني، وأعجب بمقدرتها هي وكثير من أفراد الفرقة على التمثيل، حتى أعتقد أن ما أشاهده حقيقة لا خيالا. وأنا حين أتحدث عن هذه الأمور أقرر حقائق لا يستطيع المرء كتمانها، تتركز على الرغبة في أن يعرف الإنسان ما يحيط به من أحوال الناس، يضاف إلى هذا أنني في سن تدفعني إلى أن أشارك الآخرين في لهوهم وسرورهم، ولا أذكر أنني تجاوزت الحد في ذلك وليس هذا من تزكية النفس ولكن من قبيل الاخبار عن فترة من فترات الحياة قد تمر بكل إنسان ــ انتهى. وأظن بل وأجزم أنه لن يستطيع أحد من (طيور الظلام) أن يزايد على المرحوم الجاسر بالعلم والورع، فالقافلة سارت، ولن يوقفها كثرة النباح المستميت.

مشاركة :