نسمع قصص نجاحات كثيرة متداولة بيننا، نعرف كيف بدأت ولكننا لا نعرف كيف انتهت؟لو افترضنا امرأة جميلة جداً، الرجال يريدون امتلاكها والنساء يلعنّها ويتهامسن حول شرفها، فقررت أن تلعب دور «اللعوب» ظاهرياً فقط، نكاية في النساء وتفجيراً في استعدادات الرجال وخدماتهم.بعيداً عن أي حكم أخلاقي هنا، لا شك أنه بمعيار الكثيرين للنجاح، فإن هذه المرأة ستصل إلى قمة النجاح الذي في مخيلاتهم والذي يحوي من الشهرة أكثر مما يحوي من الحقيقة. معيار النجاح في الحياة بالنسبة إلى أحدهم هو الوفرة المادية والعقارية وكم المفاتيح التي في جيبه، أحدها ليخت والآخر لشاليه والثالث لسيارة فخمة، كم الدول التي زارها وكم الفنادق التي نام فيها وكم الماركات التي يرتديها... وكم المتابعين من باب أنه لا يرى نفسه إلا فيهم، ولا شك أن هذه أشياء ليست معيبة، ولكن المعيب أنه لم يعد يتساءل حول المعايير الأخلاقية للنجاح، متهماً المجتمع بأنه يبيع القرد ويشتم من يشتريه!يبيع النجاح بلا معايير أخلاقية، ثم يحاسب من يسلكه في السر ويضعه على رأسه في العلن.يشرب صديقي قهوته على طريقة محمود درويش، ولكنه إذا تكلم تحول إلى محمود عبدالعزيز لينفجر غضباً قائلاً:- التزوير الأكاديمي والغش التربوي وقصص الفساد المنتشرة وفيديوهات تشاركية بين الناس لأناس «هبروا وعبروا» ونكت عن أناس سرقوا وخرجوا، وذوبان الأسرة بين العام والخاص في «السوشيال ميديا» بحثاً عن المعلنين ثم متابعة حياتهم وهم يصعدون اجتماعياً، يعني أن الجميع لا يتساءل أخلاقياً عن النجاح، فلماذا أهتم؟إننا نعتبره موسوعة تاريخية تم ملأها بمعلومات وقصص عن النجاح من خلال السلب والنهب والسرقة والاختلاس وأكل أموال الناس بالباطل والقدرة على التفلت القانوني، وقصص أناس فعلوا فواحش القول والسلوك مع سيرة ذاتية متسخة بحقوق الناس، ورغم ذلك فهم ناجحون بمعايير الأغلبية عن النجاح. للدرجة التي تجعله يسرد لك من ثلاث إلى أربع قصص قبل أن تنهي قهوتك، ثم يعتدل في جلسته ويقول:- انظر لهم... عايشين أحلى عيشة، ووصلوا إلى قمة هرم النجاح.هذا الرجل دائماً يسرد كل القصص باستمرار من دون الوصول إلى حقيقة واحدة، أنه كحال بقايا فنجان قهوتك التي شربتها للتو وهو يحكي لك، بقايا تصور لك مشهداً مبنياً على إعادة قراءة ما هو وهم.لدي صديق آخر يعيش في العالم نفسه وتحت السماء ذاتها، يردد دائماً:- سخيف أن تبحث عن نفسك في عيون الناس، كشجرة منزلية تهذب أوراقها وأغصانها وكيانها كله من أجل عيون المارة، النجاح هو ما تفرضه تساؤلاتك الواعية وليس فقط بيئتك المحيطة.على الجهة الأخرى من النهر يعيش صديقي الثالث في بيت من تلك البيوت التي قررت جدرانها أن تنزع ثيابها عبر تقشر طلائها وظهورها عارية أمام الضيوف، مع تلفاز لم يكن معلقاً على الجدار، بل يعتلي مجموعة كتب كان صاحب البيت قد قرأ أغلبها منذ فترة طويلة حتى ما عاد يتذكر ما بداخلها.لا أحاول هنا أن أكسب عطفك عليه، فهذا الفقير المسكين ما أن تجلس معه، حتى تكتشف أنه لا يملك الكثير من القصص، ولكنه يعرف حقيقة واحدة... أنه فاشل بمعايير المجتمع الذي يبيع القرد ويشتم من يشتريه.وكم هم رائعون، أولئك الذين يعيشون بحقيقة واحدة صلبة، تخلق لهم مساحات خاصة تجعلهم فيها أكثر تألقاً وجمالاً وقرباً من الله، وصدقاً مع أنفسهم ومع من حولهم.كانت أوبرا وينفري تكتب في جريدة تحت عامود باسم «ما أعرفه على وجه اليقين»، ثم جمعت ما كتبته في كتاب يحمل الاسم نفسه... وكل مقالاتها تقريباً تأخذك من يدك لتقول لك شيئاً واحداً... «كن أنت... أو اذهب للجحيم».من عرف نفسه عرف ربه، ومن عرف ربه عرف أن العاقبة للمتقين، واحدة من الحقائق التي يعرفها ذلك الرجل على وجه اليقين.وهكذا عزيزي القارئ، بدأ المقال بقصص النجاحات التي نعرف كيف بدأت، ولكنه انتهى أيضاً بقصص لم نعرف كيف انتهت... لذلك، فالمطلوب منك إعادة قراءة المشهد، وشاركنا ما تعرفه على وجه اليقين.كاتب كويتيmoh1alatwan@
مشاركة :