في اليوم الثالث والأخير من مؤتمر «فكر 13» الذي نظمته «مؤسسة الفكر العربي» والذي عقد في قصر المؤتمرات في مدينة الصخيرات المغربية، نوقشت مستويات التكامل العربي الاقتصادي والسياسي والثقافي، إضافة إلى الإضاءة على قضيّة الإعلام الموثوق. عقدت جلسة التكامل السياسي تحت عنوان «العرب ودول الجوار (تركيا- إيران): بين تحدّيات الحاضر وأسئلة المستقبل». وتناولت مستقبل علاقات العرب مع إيران وتركيا، ودور إسرائيل في إذكاء الخلافات بين الأنظمة العربية، وحاجة العرب إلى قيام مصر من كَبوَتها. تحدث في الجلسة نائب رئيس مركز «بحوث» في دولة الإمارات محمد باهارون، وأستاذ العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في جامعة المحمدية - المغرب محمد زين الدين، وأستاذ التاريخ واللغة التركية في الجامعة اللبنانية محمد نور الدين، والأستاذ الجامعي في جامعة جواهر لال نهرو مجيب الرحمن، وأدارها الأستاذ المحاضر ومستشار أول في التخطيط الاستراتيجي في انفستورزنكساس ل.م في لبنان محمد سيف الدين سلمان. بدأت الجلسة بمداخلة لمجيب الرحمن، قال فيها إن الهند ليست لاعباً سياسياً ولا استراتيجياً في المنطقة، لكنها مهتمّة بها بسبب مصالحها الاقتصادية، علماً أنها ساندت العرب في كل قضاياهم وعلى رأسها قضية فلسطين. من جهته، اعتبر محمد باهارون أن التحدّي الأكبر الذي يواجه العرب «هو نظرتنا إلى أنفسنا كدول، التي تجعل نظرتنا إلى غيرنا تبدو أكبر، وهذه النظرة هي التي تحكم تقويمنا لإيران وتركيا». ورأى أن إيران تنظر إلى دول الخليج نظرة مبنيّة على علاقتها معها، أيّ علاقتها الثنائية، ولا تنظر إليها نظرة جماعية. واعتبر محمد نور الدين أن الربيع العربي كشف مبكراً عن حقيقة المشروع التركي، وأظهر أن تركيا تريد احتكار الهيمنة الإقليمية من دون الاعتراف بوجود دول أخرى. وتحدث محمد زين الدين عن دور الولايات المتحدة وإسرائيل في ما تقوم به إيران وتركيا في المنطقة. ولفت إلى أن الأخيرتين، رغم خلافهما الظاهري، متّفقتان على مصالحهما بعكس الدول العربية، وأنهما تحاربان في الخارج، وحين تتعارض مصالحهما تلجآن إلى تسعير الخلاف المذهبي. وقدّم مصطفى الفقي مداخلة رفض فيها وصف الصراع بين العرب وإيران على أنه صراع مذهبي، كما يدّعي الغرب، بل هو صراع قومي بين العرب وإيران. ودعا العرب جميعاً إلى عدم ترك إيران اللاعب الوحيد في الساحة. التكامل الثقافي وشارك في جلسة «التكامل الثقافي: صِيَغه ودوره في حفظ الوطن»، كلٌ من أستاذة الحضارة الإسلامية في الجامعة اللبنانية سوسن الأبطح، الأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة عزّ الدين شكري فشير، مدير النشر العربي في دار بلومزبري قطر للنشر فخري صالح، الأستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط محمد حجّو، وأدارها رئيس تحرير جريدة «عُمان» سيف المحروقي. وقالت الأبطح إن مصطلح «الثقافة العربية» ضبابي ومحيّر، وأن هناك خلطاً في الأمور والمفاهيم في المجال الثقافي. وخصّصت حديثها للجانب الإنتاجي في التكامل الثقافي، فأشارت إلى أن المنتجات الثقافية في أوروبا مثل الكتب والمنشورات الصحافية والمطبوعات والسينما والمسرح وكلّ ما هو أرشيف وفنون العرض وألعاب الفيديو وغيرها، أصبحت أكثر ديناميكية ونشاطاً بعد إنشاء الاتحاد الأوروبي. من جهته، عرض عز الدين شكري مجموعة أسئلة عن دور التكامل الثقافي في حفظ العالم العربي من التفكّك الدولي، أو من عدم الاستقلال أو عدم قدرة الدول على حفظ الدولة والشعب. ثم انتقل إلى سؤالٍ عن مفهوم التكامل الثقافي، وعمّا إذا كان المقصود به تحقيق الوحدة السياسية أم الثقافية بين الدول. بدوره، استكمل فخري صالح الأسئلة عن إمكان الحديث عن تكامل ثقافي عربي في ظلّ الحروب الطاحنة وتهاون السلطات، وفي ظلّ الحروب الطائفية والمذهبية والمناطقية. وأكّد أنه لا يمكن الحديث عن تكامل ثقافي عربي دون إصلاح التعليم الثانوي والجامعي. وختم محمد حجر الجلسة معتبراً أن هناك شجناً وألماً في السؤال عن الثقافة، «وعندما يتحوّل إلى سؤال عن التكامل يصبح أكثر إيلاماً وشجناً، خصوصاً أن كتاب المثقّف والفنان وإنتاجهما لا يلقيان الاهتمام الذي يلقاه هدف لاعبٍ في كرة القدم». الإعلام وفهم الواقع شارك في جلسة «البديل الإعلامي الموثوق لفهم الواقع» المدير العام لقناة «سكاي نيوز عربية» نارت بوران، ورئيس مجلس إدارة صحيفة «الخبر» الجزائرية شريف رزقي، والكاتبة والباحثة في كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية نهوند القادري، والكاتب والناقد الإعلامي شاكر نوري، وأدارها الإعلامي في قناة «العربية» إبراهيم الفرحان. وأكّد بوران أن الإعلام الحديث أصبح من أكبر الوسائل لإيصال الرسائل، ومن أقوى الوسائل لإضعاف التكامل العربي. واعتبرت القادري «أننا أصبحنا في حاجة إلى بديل، لأن هناك بداية عدم ثقة بالإعلام، والمهنة بدأت تفقد مصداقيتها». ورأت أن «المراهنة على فضاء الإنترنت خاطئ جداً لأن الجيد يظهر والسيّئ أيضاً، ولا توجد معايير». وتحدث رزقي عن البيئة التي تعمل فيها وسائل الإعلام، لافتاً إلى غياب الحرية والديموقراطية في العالم العربي. وأكّد أن الإعلام البديل والجديد ليس إعلاماً بالمعنى الحقيقي، وأنه ليس هناك وسيلة إعلام قادرة على إنهاء وسيلة أخرى لأن كل وسيلة لديها خصوصيتها. وطرح شاكر نوري سؤالاً عن الحاجة إلى «ربيع عربي» في الإعلام، ودعا إلى الغوص في ممرّات هذا الإعلام وزواياه المظلمة. ولفت إلى الفجوة الرقمية الآخذة في الاتساع بين اللغتين العربية والإنكليزية، من دون أن يقابَل ذلك بسياسة على صعيد الدول. التكامل الاقتصادي وعُقدَت جسلة التكامل الاقتصادي تحت عنوان «التكامل العربي وأبعاده الاقتصادية»، بمشاركة أستاذ العلوم الاقتصادية في الجزائر بشير مصيطفى، والباحث المغربي في كلية محمد بن راشد محمد بجيطان، وأستاذ كلية العلوم القانونية والاقتصادية السويسي في الرباط عمر العسري، وهشام عطوش، وعضو جمعية الاقتصاديين المغاربة محمد الفردوسي، وأدارها المحرر السياسي في جريدة «الرياض» السعودية هاني وفا. ركّز الفردوسي على ضرورة إعطاء أهمّية خاصة للجانب الاقتصادي في العلاقات ما بين الدول العربية. ورأى أن ذلك يحدث من خلال وضع رؤى واضحة تركّز على الصناعة. من جهته تساءل بشير مصيطفى عن سبل الانتقال من الوضع الحالي الذي تعيشه الدول العربية إلى وضع أفضل يتميّز بتكامل اقتصادي بينها. وأكّد ضرورة تطوير التبادلات التجارية بين البلدان العربية. ورصد محمد بجيطان واقع التبادل الاقتصادي بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، معتبراً أنه لا يرقى إلى المستوى المطلوب. ودعا إلى تحديث القوانين المغربية الخاصة بالاستثمار، ومحاربة الفساد الإداري والريع الاقتصادي . من جانبه، أكّد هشام عطوش أن العالم العربي بإمكانه أن يكون نموذجاً لاندماج رائدٍ في العالم على غرار الاتحاد الأوروبي، لكنه ربط ذلك بحتمية تطوير التبادلات التجارية بين البلدان العربية. وركّز عمر العسري على قطاع المعاملات المالية التي تعدّ أساسية في تطوير الاقتصادات الوطنية العربية، باعتبارها بداية ونهاية لتحريك الدورة الاقتصادية.
مشاركة :