أثناء ذهابي إلى مدارس الأولاد في مدينة كاردف عاصمة ويلز- والتي يحمل لقبها ولي العهد البريطاني تشارلز أمير ويلز الذي قضى حياته منتظرا عرشا في الغالب أنه لن يحصل عليه مع بلوغ والدته الملكة إليزابيث التسعين عاما، في طريقي إلى المدرسة - أمر بموقف لسيارات الأجرة - التاكسي الأسود - والذي عرفت من ارتفاع أصواتهم وكثرة نقاشاتهم وسُبابهم الكثير أنهم عربٌ من بني جلدتي هاجروا من بلدانهم التي ذاقوا فيها مر الاضطهاد والفقر والجوع والتشرد، وقدموا إلى بريطانيا العظمى دولة القانون، البلاد التي لا تغيب عنها الشمس ليحصلوا على فرصة أفضل للعيش ويؤمنوا مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم، ويوميا وأنا أسير مع أبنائي أقص لهم بعض القصص القديمة وأطعّمها ببعض الأشعار العربية، لكي أوازن بين تدفق الحضارة الغربية وثبات الهوية العربية، إلا أنني أصدم يوميا بالحضارة العربية التي جاءت إليَّ بنفسها من سائقي سيارة الأجرة، فيوميا أستمع إلى شلال من الشتائم المتبادلة بين بعضهم البعض، وذات مرة احتدم الحوار بينهم وقال أحدهم للآخر: «يا خايس آني سني» بلهجة عراقية، فرد الآخر عليه بلهجة مغاربية: «أنت بعت البلد ديالك لإيران» وبدأ سيل الشتائم بينهم، الشاهد من هذا الموقف أنهم تركوا مشاكلهم في بلادهم وهم يعرفون من الذي تسبب بها ومن أوصل بلادهم إلى هذا المستوى من التخلف، وجاؤوا يتنابزون بمذاهبهم وبأصولهم وأبعادهم الدينية والمذهبية. تلك الحالة التي رأيتها في - ويلز- هي حالة متكررة في كل بلدان المهجر، فمن يفر من بلده إلى بلاد الغرب التي يدعو عليها في بلاده أثناء كل صلاة، يحمل معه ملوثات الفكر الإنساني، وعوامل التخلف والتأخير والجاهلية الحمقاء التي جعلتهم يفرون بملابسهم من بلدانهم طالبين اللجوء إلى هذا الوطن، الذي وفر لهم ما لم ولن يوفره بلدهم مهما فعلوا. استوقفت سائقي تاكسي وقلت لهما: سلام عليكم يا قوم، فاستبشر وجههما وقالا الأخ عربي؟ فقلت: نعم من الكويت، قال أحدهما وهو عراقي: الكويت بترولها كثير للآن تسرقون - نفطات - العراق؟ فضحك صديقه الليبي وقال له: والله مخك أعوج، فقلت له يا أخي لو جلست أشرح لك هذا الموضوع وأننا في غنى عن نفطكم لن تصدقني، لكن قل لي أيهما أخطر عليك سرقة الكويت بعض براميل النفط، أم فساد العراق ونهب ثرواته وهو يسبح على بحر من النفط ! أيهما أخطر، نهب مليارات الدولارات من أموال الشعب ودستور مبني على أساس طائفي أم بعض من براميل النفط، على حسب ادعائك؟ أكملت كلامي معه وقلت له: سمعتك تقول لصاحبك الليبي: «آني سني» ! وماذا أفادتك سنيتك أو شيعية فلان؟ لقد قتلتكم الطائفية حتى صرتم تحكمون على الفرد بناء على مذهبه وطائفته، انظر لابني هذا اسمه عُمر، وهذا أحد طلابي في المدرسة واسمه علي، وهو شيعي، نعيش مع بعضنا البعض، بل نحن أسرة واحدة في بلد يحترم الجميع ولم يكن يوما مرتعا للطائفية ولا المذهبية.إن التمترس خلف المذاهب والطائفية لن يبني لك وطنا ولا مستقبلا لأبنائك، وإنما قيم العدل والمساواة وحب الآخر وتقبله هي دعائم بناء الحضارات والمجتمعات، وبعد هذه المحاضرة السريعة تركتهم لألحق بباص المواصلات. الغريب أنَّ الأثنين من مذهب واحد وعرب، وكل يوم أسمع لهم صراعا تضجر منه النوارس والطيور المحيطة بموقف سيارتيهما.خارج النص: - رأيت مقطع فيديو لمشاهد متفرقة من مسلسلات رمضان، وفيه أكثر من ممثل يقول كلمة - لا تزعل من عندي - وأود التوضيح للكاتب وللمخرج وللممثل ولمهندس الصوت ولمهندس الإضاءة ولمدير المسرح ولكل الناس، أن جملة - لا تزعل من عندي - ليس لها علاقة باللهجة الكويتية.
مشاركة :