إيران تجدد الطائفية السياسية في العراق

  • 6/17/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أثار التحالف بين سائرون والفتح الذي أعلنه الصدر وهادي العامري الكثير من الجدل والاستغراب لأسباب أهمها أن الصدر بدا في اتفاقه هذا متراجعا عن مواقفه السابقة في ضرورة العمل على عبور التخندق الطائفي والأدلة على ذلك كثيرة من بينها نقده الشديد لخطوة العبادي قبيل الانتخابات في تحالف الأربع والعشرين ساعة مع كتلة الفتح برئاسة العامري منتقدا إياها بتعزيز الطائفية وسيادة الميليشيات في العمل السياسي لما بعد تنظيم داعش، كما أن مواقفه كانت واضحة لحين هذا الإعلان الأخير من قائد عصائب أهل الحق قيس الخزعلي الذي انشق عن تياره وتزعم خطا مذهبيا متشددا وصف بالموالاة لطهران التي ابتعد عنها الصدر في مواقفه المعلنة، إضافة إلى نقده اللاذع لرئيس دولة القانون نوري المالكي. الدليل الآخر هو أن قائمته ضمت الحزب الشيوعي الذي تتقاطع أفكاره مع التوجهات الدينية ويسعى إلى بناء دولة المواطنة، رغم أن الوقائع أشارت خلال الدورتين الانتخابيتين الأولى والثانية إلى انضمام أمين عام الحزب الشيوعي حميد مجيد للبرلمان تحت رعاية قائمة شيعية، بمعنى أن هذا الحزب ودّع ماركسيته وأخذ يتعامل ببراغماتية يسعى من خلالها إلى أن يكون له صوت في برلمان العملية السياسية الحالية. أصابت الخطوة الصدرية الأخيرة الجمهور العراقي بالإحباط بعد تطلعه إلى انفراج الوضع السياسي بالتخلي عن التحزّب والتخندق الطائفي في قيادة الحكم. كما أن الصدر وجد نفسه محاصرا في ديناميات العملية الانتخابية وما رافقها من تعقيدات قد تعرقل الحسبة العددية للفوز وتشكيل الكتلة الأكبر التي تتطلب وفق متابعين أن تلتئم قائمتان شيعيتان أو أكثر إلى جانب قائمة إياد علاوي والكتلة الكردية؛ إضافة إلى الفوضى السياسية والأمنية التي خلقها الخاسرون وعددهم ثلثا أعضاء البرلمان الحالي النافذ في حريق مخازن الانتخابات والطامحون باستعادة السلطة. في ظل عجز حيدر العبادي عن إدارة ذكية وشجاعة تتوافق مع بياناته الصريحة بعدم الدخول في كتلة طائفية تعيد المحاصصة للتجديد وهو الذي عانى خلال الأربع سنوات الماضية من ضعف في قدرته على الحسم التنفيذي بسبب قوة الأحزاب النافذة. وكانت قائمة الصدر هي الأقرب إلى تلك الرغبات من القوائم الشيعية الأخرى، لكن العبادي وقع في فخ عدم استعداده للتخلي عن حزب الدعوة كشرط للولاية الثانية. إعلان تحالف سائرون-الفتح يخلط أوراق التحالفات رغم عدم ضمان استمراره قياسا على التحالفات الأولية التي جرت قبيل الانتخابات وبعدها. ولا يعتقد أنه قادر على الصمود أمام مزاجات قادة الكتل الشيعية التي خضعت لجبروت وقوة قبضة قاسم سليماني الساعي إلى لملمة شتات الأحزاب الشيعية وتشكيل التحالف الشيعي مجددا والمطعّم بألوان من الأطياف السنية والكردية وهي جاهزة لاستكمال العدد، فهناك من بين الكتل السنية الفائزة من قدم إشارات للانضمام بعد الحصول على فتات السلطة، وكذلك من بين الكتل الكردية الصغيرة، كوران خصم الحزبين الكرديين الكبيرين، وجماعات إسلامية كردية أخرى. أخاف سليماني وهدد الكتل الشيعية بأن الاحتراب الشيعي الشيعي سيعني انتصار المشروع الوطني العراقي المستقل وما عليها سوى الالتئام مجددا تحت راية واحدة بحماية طهران. وهذا سيقود إلى انحسار مقولات “الغالبية السياسية والغالبية الوطنية” التي رفضها الأكراد لأنها وفق تقديراتهم تجعل منهم أقلية غير فاعلة داخل البرلمان والحكومة مثلما عليه الكتل السنية والعودة إلى مربع “التوافقات” الذي تخلت عنه الكتل الشيعية دعائيا خلال الحملة الانتخابية أي أن يتم تقاسم السلطة بين المكونات وهذا يعني هيمنة سلطة الأحزاب الشيعية التي أصبح عمرها ثلاثة عشر عاما من الفشل والأزمات ونهب الثروات، وسيفتح بازار توزيع الغنائم في الوزارات مجددا، وميلاد حكومة ضعيفة لا تتمكن من تلبية استحقاقات المرحلة الجديدة في جوانبها الاقتصادية والأمنية. لا يعرف لحد الآن ما هي الشروط التي وضعها مقتدى الصدر مقابل خطوته الإذعانية، وقد توقعت في مقالتي بتاريخ 29-5- 2018 سيناريو إمكانية سليماني ترويض الفارس الجامح بهدوء ليقول للصدر “نعم نحن معك في التغيير والإصلاح وحتى حكومة التكنوقراط، أو إبعاد المالكي أو العامري عن رئاسة الوزارة ومجيء رئيس وزراء تسوية لكن الخط الأحمر هو تحجيم دورنا والتماهي مع الحملة الأميركية الحالية لإزاحتنا من العراق”. قد يكون هذا السيناريو هو الأقرب في ظل ما حصل مؤخرا، وقد يقبل هادي العامري وقيس الخزعلي بتوجيه من سليماني نفسه بحل الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة التي سيكون لها النصيب الأكبر فيها. وظهرت تصريحات بهذا السياق من عصائب أهل الحق لكن هذه التفصيلات لن تحل المشكلة الأكبر وهي أن الوضع العراقي سيظل داخل صندوق العزلة عن محيط العراق العربي، فهناك تيار شيعي واسع مدعوم من إيران لا يريد لسياسة الانفتاح العراقي على العرب أن تتحقق رغم أنها لصالح أبنائه على الصعيدين التنموي والاقتصادي. كما لن يتمكن العراق من النأي بنفسه عما يتوقع حدوثه من توترات إيرانية أميركية ستتصاعد على الساحة العراقية. ولا يتوقع أن تقبل الولايات المتحدة صعود قوى راديكالية للبرلمان والحكومة في بغداد. وتدير إدارة دونالد ترامب حاليا سياسة فرض عقوبات صارمة لخيوط التواصل الممتدة ما بين لبنان حزب الله وبعض فصائل الميليشيات في العراق. وقرر مجلس النواب الأميركي مؤخرا فرض عقوبات على حزب الله النجباء. ويتوقع فيليب سميث، الخبير في معهد واشنطن، ألا يكون الحال بعيدا عن عصائب أهل الحق رغم حساسية مثل هذه التوجهات لعلاقة واشنطن ببغداد. والملاحظ أن كتلة الفتح التي تضم بدر وعصائب أهل الحق أخذت تتعاطى بخطاب إعلامي سلس وتطميني في مساواة الثقلين الأميركي والإيراني على الشأن العراقي مع التشديد على فشل المشروع “العربي”. لم يتوقع أحد أن تنزع إيران سلاح نفوذها في العراق طالما هناك قوى سياسية شيعية كبيرة فازت في الانتخابات الأخيرة التي ملأ الفضاء العراقي ضجيج بأنها مزورة، وإذا ما أنجز سيناريو إعادة الحياة بالتحالف “الوطني” وتم تشكيل الحكومة الجديدة على السياقات السابقة، فهذا يعني أن على العراقيين الانتظار لأربع سنوات أخرى من الظلم والحرمان من الخدمات واستعادة الفاسدين لمواقعهم.

مشاركة :