كعادتها تنطلق سارة بلمبلي رئيسة قسم الفن الإسلامي في «كريستيز» في الحديث بحماسة وشغف حول أهم المعروضات في مزاد فنون العالم الإسلامي والهندي، وكعادتي أيضًا أجدني منجذبة لمعرفة مزيد عن القطع المهمة وغيرها من القطع التي قد تمثل متعة بصرية خاصة أو تفصيلة تاريخية هامة. تبدأ بلمبلي بالإشارة إلى أبرز قطعة في المزاد لما لها من أهمية فنية وتاريخية، وهي مصحف أهداه الملك عبد العزيز آل سعود لرشيد الكيلاني رئيس وزراء العراق الذي لجأ إلى السعودية في الفترة ما بين 1945 إلى 1958. ويعتقد أنه تلقى المصحف هدية من الملك عبد العزيز في تلك الفترة. تعود أهمية المصحف أيضًا لكونه من عمل الخطاط الشهير محمود جلال الدين أفندي، ويعتبر المصحف الوحيد المكتوب بخطه، الذي كان من مقتنيات ناظيم سلطان ابنة السلطان التركي عبد العزيز خان التي غادرت تركيا مع عائلتها وانتهى بها المطاف إلى لبنان حيث عاشت بقية حياتها، «فرصة للمقتنين للحصول على النسخة الوحيدة المطبوعة من مخطوطات محمود جلال الدين ونموذج متميز للخط العثماني إلى جانب أنه قطعة تحمل وراءها تاريخا ثريا متميزا»، كما تضيف بلمبلي. ويشير الكاتالوغ الخاص بالمزاد إلى أن المصحف بعد ذلك انتقل للملك عبد العزيز آل سعود الذي أهداه لرئيس الوزراء العراقي رشيد الكلاني. المصحف قدرت له الدار سعرا يتراوح ما بين 200 ألف إلى 300 ألف جنيه إسترليني. ننتقل إلى القطعة التي تحتل غلاف كاتالوغ المزاد، وهي قطعة ضخمة من الرخام منقوش عليها بالخط الكوفي كلمات ونص وقف من أبو صالح خير الخادم الذي عمل في بلاط المعتز بالله الذي حول ممتلكاته إلى وقف وكتب نص الوقف على لوح من الرخام. تشير بلمبلي إلى ندرة القطعة والغرض الذي استخدمت من أجله وهي تعتبر أقدم لوح مكتوب بالخط مخصص لنص وصية وقف. في النص يشير خير الخادم إلى أنه أوقف أملاكه «لا تهدى ولا تورث»، ويمضي ليحدد تفاصيل الوقف «أربعون حصانا مخصصة للركوب وخمسة وعشرون بغلا»، ويختتم بلعن كل من تسول له نفسه تغير الوصية. يضم المزاد نموذجا لأسطرلاب كروي صنعه الفلكي محمد بن سليمان المغربي (الروداني) في عام 1662 في المدينة المنورة، وهو واحد من ثلاثة فقط في العالم. الروداني عرف بأنه عالم لغة وفلكي، انتقل للعيش في المدينة المنورة حيث صنع الأسطرلاب الذي يصفه العالم المغربي عبد الله العياشي الذي زار الروداني في المدينة «لم يصنع مثله من قبل، بل اخترعه الروداني بعقله الحاذق ومهاراته الرفيعة». الأسطرلاب يمثل نموذجا لتطور العلوم في العصور الإسلامية التي لم يكتب عنها كثيرا حسب ما تشير بلمبلي: «إنه اكتشاف مهم جدا، فهي وسيلة علمية». من القطع البديعة التصميم والشكل ساعة جيب من الذهب المطعم بالماس تحمل اسم ناصر الدين شاه كاجار تعود إلى 1858. على أحد أوجه الساعة نرى اسم السلطان ناصر الدين مكتوبا بالاس وعلى الجانب الآخر «الجناب معير المماليك». «نعتقد أنها هدية من أحدهما للآخر» تعلق بلمبلي، «هدية ملكية من زوج ابنة السلطان لناصر الدين». * السلطان سليمان من قسم الفن العثماني يقدم المزاد لوحة ضخمة للسلطان سليمان صنعت في أوائل القرن السابع عشر، وهي واحدة من سلسلة من لوحات للسلاطين العثمانيين موزعة ما بين المتاحف العالمية والمجموعات الخاصة، وتوضح بلمبلي: «من النادر أن تجد إحدى اللوحات التي تصور السلاطين العثمانيين طريقها لصالات المزادات». نلحظ دقة التفاصيل في اللوحة وخصوصا في ملبس السلطان سليمان في العمامة البيضاء الضخمة وفي النقوش الدقيقة المذهبة لمعطف السلطان. قطعة أخرى تعود للعهد العثماني على هي هيئة مجسم مسجد من الفضة والأحجار الكريمة، يجمع في تفاصيله الدقيقة ما بين عناصر معمارية مختلفة لأماكن العبادة ويلمح من خلال بابه الصغير بعض التفاصيل في داخل المسجد. كما يضم المزاد عددا من العمامات العثمانية المصنوعة من الحجر والتي كانت تستخدم كشواهد قبور. * مزاد السجاد الشرقي في كريستيز تقول لويز برودهيرست رئيسة قسم السجاد الشرقي في الدار إن مزاد السجاد الذي يقام يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) «مزاد صغير ولكنه يزخر بكثير من القطع النادرة والمميزة (123) اختيرت لعدة عوامل، منها الندرة والحالة الجيدة والتصميم الفريد». تشير برودهيرست إلى أن القطع هنا يمكنها أن تصبح ملازمة للمقتني في بيته، يستخدمها ضمن نمط ديكور عصري، وهو ما نراه في كاتالوغ، حيث وضعت قطع السجاد داخل حجرات عصرية قد نجدها في منزل حديث الديكور، ولكن المدهش أن السجاد يضيف لتلك الحجرات إشعاعا من الجمال الأصيل الذي يمتزج ببراعة مع نسق الصميم العصرية. من القطع المهمة مجموعة تعود للمهراجا بوبيندر سينغ تعود لبدايات القرن العشرين. المهراجا الذي عرف بأنه ضمن أغنى أغنياء العالم عرف بحبه للحياة الباذخة ويعرف عنه أنه كلف الصائغ كارتييه بصنع أثمن عقد ماسي في تاريخ الدار، وقد بيعت معظم القطع في مجموعة السجاد من أملاك المهراجا ضمن مزاد نظمته الدار في عام 2010. وتعكس القطع المعروضة حاليا جماليات صنع السجاد الفارسي منذ نهايات القرن التاسع عشر. سجاد فارسي من الحرير، تصف القطع بأنها «خجولة أمام عدسة الكاميرا»، فالصور لا تعطيها كل حقها ولكنها تنصح برؤيتها على الطبيعة، فهي تمتلك أهم مفاتيح القطع الهامة، فهي لها تاريخ وفي حالة جيدة وتمتاز بالجمال الأخاذ. من القطع المميزة أيضًا تشير لويز إلى قطعة من ممتلكات الناقد الفني الراحل برايان سول، ورثها عن والدته، تعود لنهاية القرن السادس عشر وبدايات السابع عشر. تروي تاريخ صنع السجاد على يد الأنديز وتطورها مع دخول المستعمر الإسباني حيث دمج الصناع الإسبان ما بين أساليب صنع السجاد التقليدية مع الموتيفات والأشكال الأوروبية. برايان سول عرض السجادة للبيع قبل أشهر من وفاته كما تذكر برود هيرست. من القطع النادرة الجمال تشير برودهيرست إلى سجادة صلاة من الحرير يعود صنعها لنهاية القرن السابع عشر وبدايات القرن الثامن عشر، السجادة تتميز بألوانها فيندمج فيها الأصفر المشرق مع الأحمر والأزرق، وفي الحواف الأصفر والأحمر والأخضر في وردات رقيقة تمثل إطارا جميلا. السجادة من ضمن مجموعة من السجاد القوقازي من مقتنيات جامع تحف أميركي، تلاحظ برودهيرست إلى أن الرسومات هنا تماثل النقوشات فن الخزف الإسلامي.
مشاركة :