يتكرر وصف المرأة بالدرة المصونة في أدبيات الخطاب الوعظي، بحيث يجعلون منه امتيازا أو تاجا يضعونه فوق هامة النساء، أو تحديدا النساء اللواتي ينصعن لمواصفات وشروط الجودة النوعية. ووصف الحجر الثمين يبدو في واجهته كبرق خلب، وحلم تتوق له النساء، لأنه يعكس معنى الندرة والاستعصاء على الوصول إليه أو الظفر به. وهذا ما يبدو في واجهته على الأقل، لكن هذا الوصف ماذا يضمر من رسائل خفية يمررها لصاحبة اللقب ولمحيطها وللثقافة التي تصنف الحيز المتاح للدرة المصونة داخلها؟ فالدرة المصونة هي من عروض المقتنيات والممتلكات والأشياء، بحيث تسقط عنها صفتها الانسانية وما يصاحب تلك الانسانية من كرامة إلهية في البر والبحر، وكرامة تتصف باستقلالية الإرادة والقرار، وحصرها في صندوق المقتنى، والتشيؤ هو إبخاس الإنسان قيمته الإنسانية، وجعل قيمته مستمدة مما يملكه من أشياء، أموال، عقارات، مجوهرات.. الخ.. أو جعله هو بقيمة قابلة للمقايضة. الشيء/ الدرة.. مغيّب الإرادة فهو مسير وليس مخيرا، ينتظر الآخرين أن يختاروا له ملامح حياته ومصيره، وهذا بالطبع يتقاطع مع التكليف الإلهي لعموم البشر (وهديناه النجدين) أي طريق الخير والشر، فالمرأة/ الدرة عاجزة عن أن تختار طريق الخير بتمام إرادتها، واكتمال فضيلتها النابعة من قرار مسبق في أعماقها، بل هي تنتظر من يختار لها ذلك. الشيء/ الدرة يستمد قيمته من ندرته، أي من قانون السوق المتراوح بين العرض والطلب، فمهما كانت الدرة ثمينة فهناك من هي أثمن منها، ومهما كانت براقة، فهناك التي أشد بريقا، ومهما كانت صافية ولامعة فهناك من هي أكثر لمعانا منها، لذا تصبح الشيء/ الدرة، مهددة دوما بحلول أخرى في السوق بمواصفات أفضل، كذلك الأمر عند مالكها الذي من الممكن أن يخلب لبه الشيء/ الدرة لكن بمواصفات جديدة ومطورة، وهذه القيم الاستهلاكية، تحجب عن المرأة والرجل تلك العلاقة التكاملية السامية المفعمة بالمودة والرحمة والتي تجعل منها رفيقة دربه وشريكته التي لايمكن استبدالها.. بنساء الأرض. الشيء/ الدرة.. نظرا للصورة الذهنية لها عند بعض الوعاظ فهم يجعلون منها ملكة.. تجلس في المقعد الخلفي في السيارة ويكون من مهمة سائقها التنقل بها بين أرجاء المدينة لإتمام مشاويرها وقضاء احتياجاتها.. ومن ثم إرجاعها لردهات قصرها المنيف.. فبالتالي تحجب هذه الصورة عن الوعي الاجتماعي، طبيعة المعاناة التي تعانيها كل امرأة للوصول إلى غايتها بين أرجاء مدينة خالية من المواصلات العامة.. سواء أكانت تحمل حقيبة وزارية وذاهبة إلى مكان عملها، أم صاحبة بسطة تفترش الأرصفة تتلاعب الرياح ببضاعتها والأقدار بمستقبلها. الدرة المصونة، أو الشيء/ الدرة.. هي الصورة النمطية التي اختلست من النساء كرامتهن الإلهية وفرادتهن الإنسانية. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net
مشاركة :