توازن مجموعة من الأمهات الشابات في لندن، بين عربات الأطفال ولافتات الاحتجاج في طليعة "معركة" تستهدف توفير مساكن في مدينة تسودها الإيجارات المرتفعة بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود. وأطلقت مجموعة مؤلفة من أمهات دون سن الخامسة والعشرين، حملة احتجاجات بخصوص الأشغال وضد عمليات الإخلاء القسري، وهى حملة أثارت جدلا في الوقت الذي أصبح فيه الإسكان قضية رئيسة قبيل الانتخابات العامة في بريطانيا في عام 2015. وبحسب "الفرنسية"، فقد تشكلت تلك المجموعة حين أعطيت إشعارات بإخلاء مأوى Focus E15 للمشردين، القريب من الاستاد الأولمبي في نيوهام شرقي لندن، وهي من أفقر المناطق في العاصمة التي تم تحويلها بسبب مشاريع التطوير الأخيرة. وقالت سام ميدلتون، البالغة من العمر 21 عاما، كنت حاملا، وكان موعد ولادتي قبل يوم من تاريخ الإخلاء، وهي تعيش في المأوى منذ أن انفصلت عن شريكها العنيف، وقالت إنه عُرِض عليها مسكن بديل في مدن أخرى، لكن لا شيء يعدِل لندن حيث نشأت. وأشارت ميدلتون أثناء احتجاج يطالب بمساكن مأمونة وميسورة، وهو احتجاج كانت تهيمن عليه الأمهات وصغار الأطفال، إلى أنهم ينقلون الفقراء إلى أحياء فقيرة مكتظة بالسكان، مثل الصناديق، معتبرة أن هذا نوع من التطهير الاجتماعي. وفي النهاية نُقِلت هي وابنها البالغ من العمر سنة واحدة إلى سكن خاص مستأجر يكلف 249 جنيها (393 دولارا، 316 يورو) في الأسبوع، على نفقة الرعاية الاجتماعية، لكن عقد السكن ينتهي في آذار (مارس)، وبهذا تواجه هي وطفلها مستقبلا يحوطه عدم اليقين. وفي أيلول (سبتمبر) احتلت المجموعة بصورة مؤقتة شققا خالية في مجمع سكني مملوك للمجلس البلدي، وعلقت أعلاما من النوافذ كتب عليها "إسكان اجتماعي وليس تطهيرا"، و"هؤلاء الناس بحاجة إلى مساكن". وفازت بريطانيا بحق استضافة الألعاب الأولمبية لعام 2012 جزئيا على وعد بإعادة تطوير مناطق واسعة في شرق لندن، لكن أصحاب الحملات والسكان المحليين يقولون إن هذا يتم دون الأخذ في الاعتبار حاجات الناس الأقل حظا في المجتمع المحلي. ويقول مجلس نيوهام إنه يبذل أقصى ما في وسعه رغم الاقتطاعات القوية في الإنفاق التي فرضتها حكومة المحافظين التي يقودها ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني. وذكر روبين ويلز، عمدة نيوهام، من حزب العمال المعارض الرئيسي، أنه يتعين علينا أن نتخذ قرارات صعبة، وأمهات Focus E15 ليسوا العائلات الوحيدة في المنطقة التي تواجه هذه القضايا. وأوضح المجلس أن مساندة الحكومة لسياسة "الحق في الشراء"، التي تبيع المساكن الاجتماعية إلى الراغبين بأسعار مخفضة لديها مخزون تم استنفاذه، حيث إن هناك 16 ألف من أصحاب الطلبات على قائمة الانتظار لشراء مساكن في المنطقة. وأضاف المجلس أنه بين 35 و46 في المائة من المساكن التي بيعت إلى الساكنين بموجب "الحق في الشراء" تباع إلى ملاك خاصين، الذين يعطون عقود إيجار قصيرة الأجل ويستمرون في رفع الإيجارات. وارتفع متوسط الإيجارات في نيوهام بمعدل 5.6 مرة أسرع من متوسط الرواتب في السنة الماضية، وفقا للمجلس، وعبر لندن، ارتفعت الإيجارات في المتوسط 2.8 مرة أسرع من الأجور. وتعتبر لندن وجهة لاستثمارات أغنياء العالم، ويبلغ متوسط تكلفة البيت في العاصمة الآن أكثر من نصف مليون جنيه (790 ألف دولار، 630 ألف يورو)، وفقا لمكتب الإحصائيات الوطنية. في هذه الأثناء، يعاني متوسط الأجور في بريطانيا لمواكبة التضخم، حيث لا يزال أدنى مما كان عليه قبل الأزمة المالية، ما يسبب الضغط على مستويات المعيشة. ويرى بعض المحللين أن انطلاق أسعار المساكن في لندن لأعلى ربما لا يستمر، على اعتبار أنه ببساطة لا يوجد ما يكفي من الناس الذين يعيشون في المدينة القادرين على الوفاء بتكاليفها، وربما تكون المصارف عازفة عن إقراض المبالغ اللازمة. وأظهرت دراسة من قبل اتحاد الإسكان الوطني، أن الارتفاع السنوي في أسعار المساكن في بعض مناطق لندن أكبر من راتب كاميرون السنوي، وهو 142 ألف جنيه. وقال بوريس جونسون، عمدة لندن، في كلمة أمام معرض تجاري للعقارات في الفترة الأخيرة، الذي كان هدفا للمحتجين، إن الحل الحقيقي واضح، وهو بناء مئات الآلاف من المساكن الجديدة. وتعهد جونسون، الذي ينتمي إلى حزب المحافظين، ببناء 55 ألف مسكن جديد "ميسور التكلفة" بين عامي 2011 و2015، لكن المنتقدين يقولون إن تعريف الحكومة للسكن الميسور المؤجر على أنه يشكل 80 في المائة من الإيجار في السوق المحلية يعني أنه في الأغلب لا يكون ميسورا على الإطلاق. وذكر بول وات، وهو محاضر أول في الدراسات العمرانية في كلية بيربيك في جامعة لندن، أن أهل لندن العاديين يجدون أن من الصعب عليهم بصورة متزايدة العثور على مساكن ميسورة في الوقت نفسه، الذي تمتلئ فيه السماء برافعات، لأنه يجري بناء أبراج فاخرة جديدة. وأعطت الانتخابات العامة التي بدأت تلوح في الأفق هذه القضية وزنا سياسيا أكبر من قبل، وأطلق حزبا المحافظين والعمال حملاتهما الانتخابية مع تقديم وعود متنافسة بعدد المساكن التي سيقوم كل حزب ببنائها. ومع ذلك ودون إسكان اجتماعي أو ضوابط على الإيجارات، فإن العاصمة المتنوعة اجتماعيا وعرقيا تخاطر بأن تصبح مدينة يُدفع فيها ذوو السكان ذوي الدخل المحدود إلى الضواحي. وأشار وات، إلى أن هذا إلى حدٍّ ما حكم بالقيمة، فإذا كنتَ تعتقد أنه من الجيد أن تمتلك بيتا في القسم الداخلي من المدينة الذي يسكنه في الدرجة الأولى أفراد الطبقة المتوسطة والأغنياء، فستقول إن هذه سياسة جيدة، وهذا يتوقف على نوع المدينة الذي تريد.
مشاركة :