وُلد «شاعر النيل» محمد حافظ إبراهيم فهمي، الشهير بـ«حافظ إبراهيم»، لأب مصري وأم تركية، بمدينة ديروط التابعة لمحافظة أسيوط في صعيد مصر فبراير ١٨٧٢.لم تدم الحياة في كنف والديه طويلًا، فقد رحل أبوه وهو في الرابعة من عمره، وتبعته أمه، فتركاه يتيمًا ليتولى خاله تربيته، ولم يكد يفيق من مصيبة رحيل الوالدين حتى اصطدم بمعيشة خاله وضيق رزقه، فآثر الرحيل تاركًا وراءه رسالة تقول: «ثقُلت عليك مؤونتي».. وفي عام ١٨٩١، تخرج في المدرسة الحربية برتبة ملازم ثان، وسافر إلى السودان ليلحق بالجيش المصري، ولكنه طُرد بعد اتهامه بتشكيل جماعة سرية، فتلقته دار الكتب ليصير رئيسًا لقسمها الأدبي في عام ١٩١١. ويبدو أن حافظ إبراهيم اكتسب من النيل صفاته في الاتساع والاحتواء، فكانت ذاكرته مثل النيل تسع لآلاف القصائد والدواوين والكتب، بمجرد قراءتها لأول وهلة يمكنه حفظها عن ظهر قلب، وعن تلك الموهبة يقول الشاعر اللبناني خليل مطران: «يقع إليه ديوان فيتصفحه كله، وحينما يظفر بجيده يستظهره، وكانت محفوظاته تعد بالألوف، وكانت لا تزال ماثلة في ذهنه على كبر السن وطول العهد، بحيث لا يمتري إنسان في أن هذا الرجل كان من أعاجيب الزمان».مثل شعر حافظ إبراهيم الوثيقة التي يمكن من خلالها قراءة الأحداث التي عاصرها؛ فقد وصفه «مطران» بالوعاء قائلًا: «هو أشبه بالوعاء يتلقى الوحي من شعور الأمة وأحاسيسها ومؤثراتها في نفسه، فيمتزج ذلك كله بشعوره وإحساسه، فيأتي منه القول المؤثر المتدفق بالشعور الذي يحس كل مواطن أنه صدى لما في نفسه»، فكان مثل المرآة التي تنعكس عليها أحداث مجتمعه. كان لـ«شاعرالنيل» العديد من الإسهامات الأدبية التي أثرت المكتبة العربية، ومنها «الديوان»، وترجمة رواية «البؤساء» لفيكتور هوجو، بالإضافة إلى اشتراكه في ترجمة كتاب «الموجز في علم الاقتصاد» مع خليل مطران.وكانت تجمع حافظ إبراهيم علاقة صداقة وطيدة بأمير الشعراء أحمد شوقي، ولما سمع بنبأ وفاته في مثل هذا اليوم الحادي والعشرين من يونيو من عام ١٩٣٢، أنشد قائلًا: «يا منصف الموتى من الأحياء.. قد كنت أوثر أن تقول رثائي».
مشاركة :