تفاصيل المبادرة السعودية لوقف نزيف الدماء وتفكيك خريطة التآمر في أفغانستان

  • 6/21/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بادرت المملكة العربية السعودية، أمس (الأربعاء)، بخطوة مهمة لتعزيز المصالحة الوطنية في أفغانستان، عبر بيان للديوان الملكي، يأمل مد فترة الهدنة القتالية بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان؛ الأمر الذي اعتبره مراقبون تأكيدًا من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لنهج المملكة الداعم للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. وتأتي الخطوة السعودية بالتزامن مع محاولات مشبوهة من أطراف إقليمية (تتصدرها إيران وقطر، وأطراف دولية) لإنهاء الهدنة المؤقتة، التي بدأت الشهر الجاري، بعدما لقي 30 جنديًّا من قوات الأمن الأفغانية مصرعهم (الأربعاء، 20 يونيو 2018) في كمين لحركة طالبان غرب البلاد، حسبما أعلن عبدالغفور مالك زاي (حاكم إقليم بادجيس) الأفغاني. وهاجمت عناصر قتالية (يقال إنها تابعة لحركة طالبان) نقطتي تفتيش في الساعات الأولى من صباح اليوم، وهو الهجوم الأكبر منذ وقف إطلاق النار بموجب هدنة عيد الفطر، التي شهدت ظهور مقاتلي طالبان في الشوارع احتفالًا بالعيد؛ الأمر الذي شجّع على فتح باب المفاوضات والدخول في محادثات سلام بين الحركة والسلطة. تدخل وأمام هذه التطورات الدرامية، عاودت السعودية تحمُّل مسؤولياتها تجاه أفغانستان طوال العقود الأربعة الماضية، من خلال مبادرة خادم الحرمين لتعزيز الهدنة؛ حرصًا على وقف إراقة الدماء، وعلى مصلحة أفغانستان، بحكم المكانة التي تحظى بها المملكة لدى الشعب الأفغاني. وكان الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني، قد أعلن عن هدنة مؤقتة من جانب واحد مع الحركة بمناسبة عيد الفطر للفترة بين 11 و19 يونيو الجاري، فيما أعلنت حركة طالبان، وقفًا مفاجئًا لإطلاق النار لمدة 3 أيام خلال عطلة العيد، لكنها استثنت من ذلك القوات الأجنبية. وعلى إثر هذا دخل العشرات من مقاتلي الحركة "غير المسلحين"، إلى العاصمة الأفغانية كابول، (السبت 16 يونيو 2018)، للاحتفال باتفاق وقف إطلاق النار، وتبادلوا التهاني بعيد الفطر مع قوات الأمن الأفغانية بالعناق وصور "السيلفي". وأظهرت مقاطع مصورة وصور منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، الجنود ومقاتلي طالبان المبتهجين، وهم يتبادلون الأحضان والتهنئة بمناسبة العيد في إقليم لوجار جنوب كابول وإقليم زابل بجنوب البلاد وميدان وردك في الوسط. رفض وأعلنت حركة طالبان في وقت لاحق، رفضها تمديد الهدنة ووقف إطلاق النار لمدة 3 أيام فقط، قبل أن تستأنف الحركة هجماتها في إقليمي هلمند وقندهار اليوم الأحد، بعد انتهاء اليوم الثالث للهدنة التي سبق أن أعلنتها الحركة خلال عيد الفطر. وأمام عودة الحركة إلى عملياتها ضد القوات الحكومية الأفغانية، بادرت السعودية -من واقع دورها ومكانتها وحرصها على حقن دماء المسلمين- بالتحرك السريع، مدعومةً بوقوفها على مسافة واحدة بين جميع المكونات السياسية الأفغانية، لمد الجسور بين الطرفين المتحاربين، لا سيما بعد زيادة فاتورة الدماء، وسقوط ضحايا أبرياء. ويتمسك الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني، بأن بسالة وشجاعة قوات الأمن الأفغانية هي التي أعطت الحكومة الأفغانية فرصة إعلان هدنة مع حركة طالبان المسلحة "انطلاقًا من موضع قوة، وقال (وفقًا لوكالة أنباء بجفاك الأفغانية): "نحن نريد السلام الذي يسمح بحماية المكانة القومية والمهنية لقوات الأمن". دماء وكانت طالبان قد استبقت الهدنة المؤقتة بعملية دموية (10 يونيو 2018) قُتل خلالها ما لا يقل عن 12 من رجال الأمن؛ من جراء هجمات شنها مسلحون من الحركة على عدد من نقاط التفتيش الشرَطية، بإقليم قندهار جنوب البلاد، مع سقوط مصابين. واستمر ارتفاع حدة أعمال العنف التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الماضية، عقب إعلان حركة طالبان انطلاق هجمات الربيع السنوية. وأعلن رجال الدين فتوى تعتبر التفجيرات الانتحارية ضد الإسلام، وأن العنف والحرب المستمرين في أفغانستان، يتعارضان مع الشريعة الإسلامية، وسط محاولات من جانب الحكومتين الأفغانية والأمريكية لجلب طالبان إلى مائدة مفاوضات السلام، إلا أن مسلحي الحركة لم يقبلوا بعدُ عرض سلام من شأنه أن ينهي الصراع. وعرض الرئيس أشرف غني (في فبراير الماضي) الاعتراف بطالبان كجماعة سياسية شرعية في إطار عملية سياسية قال إنها ربما تؤدي إلى محادثات تنهي الحرب المستمرة منذ ما يزيد عن 16 عامًا، غير أن حركة طالبان تريد العودة إلى الحكم بعد الإطاحة بها عام 2001 على يد قوات قادتها الولايات المتحدة. اقتراح واقترح عبدالغني وقف إطلاق النار وإطلاق سراح سجناء ضمن خيارات أخرى، مثل إجراء انتخابات جديدة بمشاركة طالبان، ومراجعة الدستور. يأتي هذا فيما تسبب الصراع في سقوط أكثر من 10 آلاف مدني أفغاني بين قتيل وجريح، خلال العام الماضي فقط. وعرضت أطراف عدة جهود وساطات بين الحكومة الأفغانية وطالبان من ناحية، وبين الحركة والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى، آخرها ما عرضته روسيا (5 مارس 2018) من استعدادها للقيام بدور الوسيط، عبر ما أعلنه زامير كابولوف (المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أفغانستان)، مؤكدًا أن للمساعدة الدبلوماسية تأثيرًا إيجابيًّا في تلك العملية. غير أن مراقبين يراهنون على دور كبير يمكن أن تقوم به السعودية، لا سيما أنه يوجد نحو نصف مليون أفغاني يعملون ويقيمون بالسعودية (تستضيفهم المملكة كشكل من الدعم السعودي للشعب الأفغاني)، في تعزيز الهدنة المؤقتة، وتحولها إلى اتفاق سلام شامل، ينهي الصراع الدموي في البلاد. دعم بدورها، أعلنت الحكومة الأفغانية (9 ديسمبر 2017) أنها قد تغلق مكتب حركة طالبان في قطر قريبًا؛ لرصد بعض الممارسات المشبوهة. وقال الرئيس التنفيذي للحكومة الأفغانية عبدالله عبدالله، إن بلاده تنتظر إغلاق المكتب، بعد الانتهاء من تحقيقات في ادعاءات باستغلاله في الدعاية للحركة والحصول على تمويلات. وأكد أن "الحكومة قد تغلق -على الأرجح- مكتب حركة طالبان في قطر، بعد تلقيها تقارير عن استغلال العنوان في الدعاية وأغراض أخرى لصالح الحركة" (وفقًا لوكالة سبوتنيك) وتابع: "المكتب سيتم إغلاقه إذا ثبتت صحة المزاعم حول الحصول على موارد مالية للحركة عبر عنوانه". وعلى الرغم من المطالبات الدولية المتواترة الموجهة إلى مسؤولي قطر بإغلاق مكتب حركة طالبان الأفغانية في الدوحة، فإنها تمارس هوايتها في التعنت تجاه المطالب التي يتبناها المجتمع الدولي، ولو على سبيل إظهار حسن النية، رافضةً على مدار نحو 4 سنوات إغلاق المكتب الذي يدعو إلى تنظيم إرهابي، بحجج التسوية. تمويلات وكانت معلومات للاستخبارات العسكرية الألمانية، قد كشفت (9 فبراير 2018) سر تمويلات سخية التي تحظى بها الجماعات الدينية المسلحة في عدد من المدن الأفغانية الرئيسية، وعلى رأسها العاصمة كابول، وقندوز (شمالًا)، والتي كانت سببًا في تفجير الوضع الأمني في البلاد خلال الفترة الأخيرة. وحسب معلومات حصلت عليها صحيفة "بيلد" اليومية الألمانية، أكدت مصادر قبلية ومحلية، الاتهامات الأمريكية لروسيا بتمويل حركة طالبان، ردًّا على الدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن للدواعش في مناطق وسط آسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة؛ لتطويق روسيا بحزام جهادي امتلك معظم عناصره خبرة القتال والتفخيخ في سوريا والعراق على مدار السنوات الثلاثة الماضية. ووفق معلومات الاستخبارات العسكرية الألمانية، يبدو التنافس على أشده بين موسكو وواشنطن في ملف دعم الجماعات المسلحة في أفغانستان؛ ما يعيد أجواء الحرب الباردة التي اشتعلت بين القوتين العظميين في الثمانينيات من القرن الماضي مجددًا. ودعمت واشنطن جماعات مسلحة عدة فيما عرف بـ"الأفغان العرب" قبل نحو 4 عقود لضرب الوجود السوفييتي في أفغانستان. ومن رحم تلك المهمة ظهر تنظيما طالبان والقاعدة ومن سار على دربهما فيما بعد. وتعتقد واشنطن -حسب مصادر أمريكية وأفغانية لـ"بيلد"- أن روسيا أنفقت على مدار عام كامل أموالًا طائلة لتقوية طالبان، ومن ثم ضرب كافة المصالح والترتيبات الخاصة بإدارة الرئيس دونالد ترامب في أفغانستان. ملاحظات ولاحظت فرق جمع المعلومات الملحقة بالوحدات العسكرية الألمانية العاملة ضمن مهمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتدريب وإرشاد القوات المسلحة الأفغانية؛ تناميًا غير مبرر في نوعية السيارات الحديثة المستخدمة في عمليات إرهابية، ناهيك عن غزو أسلحة أمريكية وبلجيكية الصنع باهظة الثمن مناطق عدة في قندوز. ويوجد نحو ألف جندي ألماني في أفغانستان، ومؤخرًا حصلوا على تفويض جديد من البرلمان (البوندستاج) بتمديد مهامهم في البلد الإسلامي حتى مارس المقبل، فيما تتركز معظم الوحدات الخاصة للجيش الاتحادي هناك في ولاية قندوز، وفي عاصمتها التي تحمل الاسم ذاته. وتسارع القوات الألمانية الخُطى في قندوز للسيطرة على الأمور قبل أن تنفلت، وبخاصة في ظل الصراع المحموم بين طالبان التي عادت بنفوذ كبير على الأرض في نحو 70% من البلاد -حسب دراسة حديثة لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"- وبين الدواعش الذين ينشطون باطراد في أفغانستان، وبالأخص عقب استقبال الأخيرة مقاتلين تابعين للتنظيم المنهار في كل من سوريا والعراق.

مشاركة :