الدعاء.. عبادة الافتقار إلى الله

  • 6/22/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

محمد حماد أحب عباد الله إليه من سأله فأكثر سؤاله، وأبغض عباد الله إليه من لم يسأله، وليس كذلك غيره، وقد أمرنا سبحانه بالدعاء، وضمن لنا الإجابة، في قوله تعالى: «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين»، وأخبرنا الله أنه قريب يجيب من دعاه، قال تعالى: «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون».وقد يبتلي الله عباده حتى يدعوه، قال تعالى: «ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون، فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون».وحكى قتادة أن كعب الأحبار قال: «أعطيت هذه الأمة ثلاثاً لم تعطهن أمة قبلهم إلا نبي: كان إذا أرسل نبي قيل له أنت شاهد على أمتك»، وقال تعالى لهذه الأمة: «لتكونوا شهداء على الناس»، وكان يقال للنبي: «ليس عليك في الدين من حرج»، وقال لهذه الأمة: «وما جعل عليكم في الدين من حرج»، وكان يقال للنبي ادعني أستجب لك، وقال لهذه الأمة: «ادعوني أستجب لكم».وظل موسى عليه السلام يدعو على فرعون وملئه زمنا طويلا: «وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون».وفي القرآن الكريم في قصة لقاء طالوت مع جالوت، قال تعالى: «ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين». «اللهم أنجز ما وعدتني» وفي غزوة بدر ألحّ النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء بالنصر على أعداء الله، روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: (لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمئة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض»، فما زال يهتف بربه، ماداً يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: «إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين»، فأمده الله بالملائكة.وجاء الأمر بالدعاء في سنة نبينا، وكان مما روى صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع، إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ، إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم». آداب الدعاء وعلمنا نبينا أن نسأل الله في كل شيء وبكل حاجة وبأي مسألة، وروى أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع»، وعلمنا رسولنا الكريم آداب الدعاء، قال صلى الله عليه وسلم: «من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثنِ على الله وليصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين».ادعُ الله مهما كانت حالتك، بل أنت أحوج إلى الدعاء حين تكون في غير حالك مع الله، قال سفيان بن عيينة: «لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله إذ قال: «رب فأنظرني إلى يوم يبعثون، قال فإنك من المنظرين». سلاح المؤمن الدعاء هو عبادة الافتقار إلى الله، وهي من أفضل العبادات وقد حث الله تعالى على الدعاء وأمر به، فقال تعالى: «واسألوا الله من فضله»، (النساء: 32)، وقال: «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم»، (غافر: 60)، وصح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين ونور السماوات والأرض)، وهو مخ العبادة، بل هو العبادة، فعن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، ثم قرأ: «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم...»، وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء)، وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يسأل الله يغضب عليه). والدعاء كله خير، فعن أبي سعيد: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها)، وفي الترمذي عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه‏ ‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏: ‏ «ما على وجه الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم‏»،‏ فقال رجل من القوم‏: ‏ إذاً نكثر، قال‏: ‏«‏الله أكثر‏»‏.وكان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «إني لا أحمل هم الإجابة ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه»، فالدعاء مفتاح أبواب الرحمة، وسبب لرفع البلاء قبل نزوله وبعد نزوله، لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئا يعطى أحب إليه من أن يسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، وروى مسلم عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «‏إن الله يقول أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني‏»‏. الأدعية النبوية والأدعية النبوية أولى ما يدعى به بعد تفهمها وتدبرها؛ لأنها أكثر بركة، ولأنها جامعة للخير كله، في أشرف الألفاظ وأفضل العبارات وألطفها، ولأن الغلط يعرض كثيرا في الأدعية التي يختارها الناس، لاختلاف معارفهم، وتباين مذاهبهم في الاعتقاد والانتحال.ويكون الدعاء مقبولا عند الله تعالى إذا كان الداعي مخلصا، فإن الدعاء عبادة من العبادات، بل هو من أشرف الطاعات وأفضل القربات، ولا يقبل الله من ذلك إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم، قال الله تعالى: «فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون»، (غافر: 14).

مشاركة :