عبادة الافتقار إلى الله من هدي الرسول

  • 11/30/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

محمد حماد  «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء»، هذا الحديث لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- والذي رواه مسلم في صحيحه، معناه واضح لا لبس فيه؛ حيث يكون العبد أقرب ما يكون إلى ربه أثناء سجوده. الدعاء هو عبادة الافتقار إلى الله، وهو من أفضل العبادات، وقد حث الله- تعالى- عليه وأمر به، فقال تعالى: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ)، (النساء: 32)، وقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، (غافر: 60)، والدعاء سنة الأنبياء والمرسلين، وهو سلاح المؤمنين، وقد صح عن المصطفى- صلى الله عليه وسلم- أن: (الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين ونور السماوات والأرض)، وهو مخ العبادة؛ بل هو العبادة، فعن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، ثم قرأ: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...».  قال أبو هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء)، وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يسأل الله يغضب عليه).إحدى ثلاث والدعاء كله خير، فعن أبي سعيد: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها)، وفي الترمذي عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما على وجه الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم»، فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: «الله أكثر». والدعاء مفتاح أبواب الرحمة، وسبب لرفع البلاء قبل نزوله وبعد نزوله، لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئاً يعطى أحب إليه من أن يسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، وروى مسلم عن أبي هريرة، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني». آداب الدعاء واعلم أن الأصل في إجابة دعائك، التوبة ورد المظالم والإقبال على الله تعالى، والافتقار إلى عفوه ومقدرته وعلمه، ومن أول آداب الدعاء الوضوء حتى تقبل على الله- تعالى- طاهراً متهيئاً لمناجاته ودعائه، وأن تستقبل القبلة، فإذا دعوت الله- تعالى- فلتبدأ بحمده والثناء عليه تبارك وتعالى، ثم بالصلاة والسلام على النبي- صلى الله عليه وسلم-، ثم ابدأ بعد ذلك في دعائك ومسألتك، واختر أحسن الألفاظ وأنبلها وأجمعها للمعاني وأبينها، ولا أحسن مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، فإن الأدعية القرآنية والأدعية النبوية أولى ما يدعى به بعد تفهمها وتدبرها؛ لأنها أكثر بركة؛ ولأنها جامعة للخير كله، في أشرف الألفاظ وأفضل العبارات وألطفها؛ ولأن الغلط يعرض كثيراً في الأدعية التي يختارها الناس، لاختلاف معارفهم، وتباين مذاهبهم في الاعتقاد والانتحال. ويكون الدعاء مقبولاً عند الله- تعالى- إذا كان الداعي مخلصاً، فإن الدعاء عبادة من العبادات؛ بل هو من أشرف الطاعات، وأفضل القربات، ولا يقبل الله من ذلك إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، قال الله تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله). حسن الظن بالله وحسن الظن بالله- تعالى- وحضور قلب الداعي، وتدبره معاني ما يقول من شروط إجابة الدعاء، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)، وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني)، قال الشوكاني: (فيه ترغيب من الله لعباده بتحسين ظنونهم، وأنه يعاملهم على حسبها، فمن ظن به خيراً أفاض عليه جزيل خيراته، وأسبل عليه جميع تفضلاته، ونثر عليه محاسن كراماته وسوابغ عطياته، ومن لم يكن في ظنه هكذا لم يكن الله تعالى له هكذا). والداعي الصبور أقرب إلى إجابة دعائه من العجول، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن استعجال الإجابة ففي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي». وقيل لبعض السلف: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: «لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول صلى الله عليه وسلم فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس». وعلى كل مسلم يرغب بصدق أن يكون مستجاب الدعوة أن يكون من أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب طاقته وجهده، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، فتدعونه فلا يستجاب لكم). اللقمة الحلال ومن أراد أن يستجاب لدعائه فيجب أن يكون ممن يحرصون على اللقمة الحلال، فلا يدخل بطنه حراماً لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (المؤمنون51)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة: 172)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك)، (رواه مسلم والترمذي). والداعي الراجي إجابة دعائه عليه أن يترصد الأزمان الشريفة؛ كيوم عرفة وشهر رمضان ويوم الجمعة والثلث الأخير من الليل ووقت الأسحار، وأن يغتنم الأحوال الشريفة؛ كحالة السجود، والتقاء الجيوش، ونزول الغيث، وإقامة الصلاة وبعدها، وأن يجزم بالطلب ويوقن بالإجابة، وأن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثاً ولا يستبطئ الإجابة، وكان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (إني لا أحمل هم الإجابة ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه). ولا يجوز للداعي أن يعتدي في الدعاء، والاعتداء هو كل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، فمن ذلك: أن يسأل الله تعالى ما لا يليق به من منازل الأنبياء، أو يتنطع في السؤال بذكر تفاصيل يغني عنها العموم، أو يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات، أو يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو أن يسأله أن يطلعه على غيبه، أو يسأله أن يجعله من المعصومين، وغير ذلك من هذه الشاكلة. والمتأمل في جميع أنواع العبادات القلبية والعملية يرى أن الافتقار فيها إلى الله هو الصفة الجامعة لها، فبقدر افتقار العبد فيها إلى الله يكون أثرها في قلبه، ونفعها له في الدنيا والآخرة، وكما قيل فإن أحسن ما يتوسل به العبد إلى الله: دوام الافتقار إليه على جميع الأحوال، وملازمة السنة في جميع الأفعال، وطلب القوت من وجه حلال، وبهذا سيجد المرء لذة لا توصف في الانكسار بين يدي الرب ومناداته ودعائه وحسن التوكل عليه.

مشاركة :