تحقيق: محمد إبراهيم هل تعلم أن تسريب الامتحانات جريمة يرفضها المجتمع، ويعاقب عليها القانون؟ على الرغم من أن الإجابة معلومة لدى الجميع، إلاّ أن بعض الطلبة في الميدان التربوي، لم يدركوا خطورتها بعد، وقد يكون السبب صغر سنهم وعدم اكتمال الجانب الإدراكي لديهم.وعلى الرغم من أن وسائل التكنولوجيا جعلت الحياة أكثر سهولة وبساطة وتشويقاً، في مختلف المجالات، لاسيما التعليم، إلاّ أن هناك طلبة وظفوها في امتحانات نهاية العام بشكل غير أخلاقي، وهذا بالفعل ما رصدته كواليس سباق الامتحانات التي بدأت الأربعاء الماضي، إذ تم تسريب امتحاني «الرياضيات» لطلبة الثاني عشر «عام»، و«الإنجليزية» لطلبة الصف ذاته بمساريه «العام والمتقدم»، حيث اخترقت الهواتف الذكية اللجان، وأصبحت «مواقع التواصل الاجتماعي» منصة فاعلة لعرض الامتحانات المسرّبة.ويرى خبراء وتربويون أن الإشكالية لا تعني سلوكيات الطلبة فحسب؛ بل تكمن في «معلمين» تجاهلوا حجم آثار تلك الجريمة، وضربوا عرض الحائط باللوائح والضوابط من أجل «حفنة» دراهم بشكل غير مسؤول، فضلاً عن تقاعس «مراقبين» داخل اللجان الامتحانية، إذ غضوا النظر عن الطلبة، وسمحوا لهم بالاحتفاظ بهواتفهم وساعاتهم الذكية، وفتحوا لهم المجال ولأسباب غير معلومة، ليصوروا الامتحانات وينشروها على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت منصة فاعلة لتداول الأوراق الامتحانية المسرّبة.ودعت واقعتا التسريب وزارة التربية إلى إجراء تحقيقات موسعة، وتشكيل فرق تقنية متخصصة لمتابعة الحسابات على مواقع التداول، لضبط جميع المتورطين «طلبة ومعلمين ومراقبين»، وبدأت بالفعل محاسبة أعضاء لجان امتحانية كاملة، لتقاعسهم وإهمال مهامهم، ونفت استخدامها لإجراء «انقطاع الإنترنت» لحماية وتأمين الامتحانات.«الخليج» تناقش مع خبراء وتربويين ومتخصصين، طرق العلاج لتلك الإشكالية، وأسباب وجودها بين الطلبة، وتكشف عن «خط سير»، الورقة الامتحانية المسرّبة عقب تصويرها ونشرها، فضلاً عن إجراءات الوزارة في معاقبة المتورطين في التسريب. تسريب من أجل الغش البداية كانت مع مجموعة طلابية ضمت «مودة.أ، وأحمد.م، وسما. م، وسلمى إيهاب وشما حمد، ومبارك.ع وشيماء محمد وعلى عبدالله وميثاء حسين»، إذ كشفوا ل«الخليج» عن جهود زملائهم لتوظيف الوسائل الذكية في تسريب الامتحانات من أجل الغش من خارج اللجان، موضحين أن بعضهم يتفق مسبقاً مقابل مبالغ مالية، مع معلمين لمختلف المواد الامتحانية، إذ يصورون الامتحان بمجرد أن تتاح لهم الفرصة، ويبعثوا به لمعلمين خارج اللجان للإجابة عليها وإرسالها مرة أخرى.وأضافوا أن البعض يرسلها لشقيقه أو صديقه، ليقوم بدوره بإرسالها لأحد المعلمين المتخصصين في مادة الامتحان، ليجيب عليها ويتم إرسالها مرة ثانية مقابل مبالغ مالية أيضاً، مؤكدين أن الغرض من نشر الامتحان المسرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هو المراوغة وتضليل من يحاول متابعة عملية تداول الورقة الامتحانية.وأفادوا بأن هناك مجموعة من الطلبة يجتهدون في ابتكار وسائل متنوعة للغش، بفضل الأجهزة الذكية التي سهلت عليهم أموراً كثيرة من حيث التواصل والبحث، التي قد يعجز المراقبون عن اكتشافها.وحول دور وسائل التواصل الاجتماعي في تفشي تلك الظاهرة، أكدوا أنها تلعب دوراً بارزاً في تداول الورقة الامتحانية بسرعة كبيرة، موضحين أن تلك السلوكيات تؤثر سلباً على تركيزهم وتحصيلهم الدراسي، وتبدد طاقاتهم وجهودهم في المذاكرة، وتقلل فرصتهم في تحقيق معدلات جيدة، التي تذهب مع مسربي الامتحانات والطلبة الذين يعتمدون على الغش، والوسائل غير المشروعة، مطالبين بإجراءات صارمة بحق المتورطين، وإيجاد حلول جذرية لظاهرة التسريب والقضاء عليها ليحصل كل طالب على حقه. استياء ومخاوف وعبر عدد من أولياء الأمور عن استيائهم ومخاوف بسبب تطور ظاهرة الغش، التي بدأت تأخذ أشكالاً جديدة تؤدي إلى جريمة التسريب التي يعاقب عليها القانون، إذ أكد كل من «محمد طه، وعبدالله محمد، وعلياء آل علي، وعنود المرسي، وإيهاب زيادة»، ضرورة إيجاد حلول جذرية ومعالجة عاجلة، لحماية مجهود أبنائهم التي أُجهضت مع حالات التسريب المتكررة، لا سيما أن الغش بلغ مراحل متقدمة مستنداً على التكنولوجيا، باستخدام سماعات البلوتوث والنظارات الطبية، والأقلام الضوئية، ومواقع التواصل الاجتماعي والهواتف والساعات الذكية.وقالوا إن الغش والوسائل التي تسهم في تنميته، سواء ذكية أو مواقع للتواصل الاجتماعي، يشكل خطراً كبيراً على دافعية الطلبة نحو التعليم، وتحقيق معدلات متميزة، إذ ينظر بعض الطلبة إلى زملائهم الذين يحصدون أعلى الدرجات من دون أي مجهود، مؤكدين أهمية تضافر الجهود لمحاربة تلك الظاهرة والمحافظة على مكتسبات الأبناء العلمية والوقوف على مستوياتهم الواقعية، فليس من العدل أن يذاكر أبناؤنا ويجتهدوا، وتذهب جهودهم هباءً أمام تلك الممارسات غير اللائقة. طوق النجاة وأكد التربويون «الدكتور كمال فرحات، وليد فؤاد لافي، واعتدال يوسف، وخلود فهمي، وحميدان ماضي، وأسماء دحبور»، عدد من التربويين ومديري المدارس، أن ظاهرة التسريب تمثل خطراً على حرمة اللجان، وباتت وسيلة مؤثرة في عدم الاستقرار في فترة الامتحانات، لاسيما أنها تعيق مسيرة المتفوقين في المجتمع المدرسي، فضلاً عن عدم دقة تقييم المستويات الطلبة العلمية، مما يعيق عمل القائمين على التعليم من التعرف إلى مواطن القوة ومواضع الضعف لدى المتعلمين.ولحماية العملية الامتحانية، والمحافظة على طاقات وجهود الطلبة المتفوقين، قالوا إن الاختبارات الإلكترونية تعد طوق النجاة من تلك الظاهرة، على أن تطبق بشكل ممنهج ومن دون أعطال مثل الاختبارات الدولية، تعمل وفق نظام مركزي تتحكم في تشغيله وإغلاقه وزارة التربية في مواعيد الامتحانات المعتمدة.وحول تفاصيل واقعتي التسريب، أكد مصدر مسؤول في وزارة التربية والتعليم «فضل عدم ذكر اسمه»، أنه جارٍ نظر تقارير تفصيلية شملت بعض اللجان الامتحانية التي حدث فيها تسريب، ويتم التحقيق مع جميع أعضائها وعناصر العمل فيها بدون استثناء، حيث لا يتم التركيز على المراقبين فقط، تمهيداً لعقوبات صارمة، في حال اكتشاف المتورط.وفيما يخص الإجراءات التي تتبعها الوزارة لتأمين وحماية الامتحانات في الفترة المقبلة، أفاد بأن هناك فريقاً تقنياً متخصصاً، لمتابعة ورصد الحسابات التي يتم تداول الورقة الامتحانية عليها، وتحديد هوية المتورط ومكانه، معتبراً أن تلك السلوكيات السلبية سواء من طلبة أو معلمين أو مراقبين، لا تليق برسالة العلم وأهدافه السامية. إجراء صعب وحول توجه الوزارة إلى اتخاذ إجراءات لتعطيل خدمة الإنترنت خلال ساعات الامتحان منعاً للتسريب أو الغش، أكد المصدر أنه إجراء يصعب تطبيقه، إذ يشمل شريحة مجتمعية كبيرة، ومناطق متنوعة في مختلف إمارات الدولة، ونفى ما يتم تداوله في هذا الشأن وعدم دافعية الوزارة لمثل هذه الإجراءات.ورصدت وزارة التربية محظورات وعقوبات لحماية العملية الامتحانية، سواء من الغش بالوسائل الذكية أو التسريب، من خلال تعميمات حصلت «الخليج» على نسخة منها، إذ حددت 34 مهمة ومسؤولية لمديري النطاق والعمليات المدرسية والمناطق التعليمية، ومديري المدارس، وإدارة التقويم والامتحانات، بواقع 18 مهمة للأعمال التنظيمية والإدارية للاستعداد للامتحانات، و16 مهمة لإجراءات تطبيق الامتحان. هواتف المراقبين يحظر على الطلبة وهيئات المراقبة والتنسيق خلال الامتحانات، استخدام أنواع الهواتف المتحركة والأجهزة الإلكترونية الذكية ذات الخاصية الصوتية والسمعية والمرئية، وكافة تطبيقات برامج التواصل الافتراضية الإلكترونية، خلال أداء الامتحان. ويحظر على جميع العاملين في لجان الامتحانات حمل أو استخدام الهواتف المتحركة أو أي أجهزة إلكترونية داخل قاعات الامتحانات ولجان النظام والمراقبة ومراكز طباعة الامتحانات العاملين بلجان الامتحانات، وفي حال وجود أي تقصير في المهام والمسؤوليات، أو مخالفة التنظيمات واللوائح الامتحاني، يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم.وحددت الوزارة ضمن إجراءاتها 8 مخالفات للطلبة خلال الامتحانات، أبرزها الغش أو مساعدة الغير عليه، وحمل أو استخدام الهاتف المتحرك أو الأجهزة السمعية والصوتية والمرئية، واستخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي الافتراضية أو إثبات تداول الوثائق الامتحانية، حيث يتم حرمان الطالب من امتحان المادة ويرصد له «صفر» في خانة امتحان الفصل - ويخطر ولي أمر الطالب الذي حُرم من الامتحان وتنبيهه بالإجراء المتخذ في حال تكرار المخالفة، وتحتفظ اللجنة بالأجهزة والوثائق التي تم ضبطها مع تقرير اللجنة، ومع تكرار المخالفة يحرم الطالب من امتحان جميع المواد. التشويش على الهواتف في محاولات جادة من المعلمين للتصدي لوسائل الغش الذكية والتسريبات، منحت العديد من إدارات المدارس الصلاحيات للمعلمين داخل الصفوف في التعامل مع الطالب الذي يحمل هاتفاً، فيمكن للمعلم استخدام برامج حديثة للتشويش على الهواتف الذكية مع الطلبة، ليعيق استخدامه تلك الوسائل في الغش. تعطيل خدمات الإنترنت من طرائف الجهود المبذولة لمنع الغش وتسريب الامتحانات بأي وسيلة، أوقفت الجزائر خدمات الإنترنت في جميع أنحاء البلاد خلال امتحانات الثانوية العامة في محاولة لمعالجة مشكلة الغش، إذ تم تعطيل الخدمة، سواء على الهاتف الأرضي أو الهاتف المحمول، لمدة ساعة بعد بدء كل امتحان لوقف تسريب الأسئلة ومساعدة الطلاب على حلها. ساعة ذكية للغش تحظى ساعة ذكية مخصصة للغش في الامتحانات الدراسية باهتمام كبير في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تتمتع بوظائف متقدمة تتيح للطالب إمكانية الغش بسهولة أثناء أدائه للامتحان داخل الصف الدراسي، بما فيها إمكانية تخزين تصل إلى 8 جيجابايت، وشاشة تقدم نصوصاً واضحة على الرغم من صغر الخط، وإمكانية تمرير الشاشة والانتقال إلى الأسفل أو الأعلى أوتوماتيكياً أو يدوياً، و زرّ للطوارئ للتحول مباشرة من وضعية الغش إلى وضعية الساعة، فضلاً عن اتصال «واي فاي» وإمكانية التحكم الكامل بتنظيم الملفات. مقترحات العلاج ترى ولاء فاروق السيد المتخصصة في تقنية المعلومات، أن تسريب الامتحان جاء من داخل اللجان عن طريق الطلبة، بهدف الغش والحصول على الإجابات من الخارج، من خلال معلمين لمواد الامتحان، إذ تأتي الإجابات سريعاً وهذا أمر لا يقدر عليه الطالب، فضلاً عن أن جميع الطلبة داخل اللجان الامتحانية في تلك اللحظة.وأكدت فاروق أن غفلة بعض المراقبين، وعدم قدراتهم على التأكد من دخول الطالب الامتحان بدون هاتفه الذكي، وضعف سيطرتهم على الطلبة، جعلت الأمر ميسوراً أمام المتعلمين لدخول لجنة الامتحان بالهواتف والسماعات الذكية، وتصوير الورقة الامتحانية، وإرسالها واستقبال الإجابات بكل سهولة ويسر.
مشاركة :