ترددت كثيرا في أن أعود إلى الكتابة عن المونديال، ومبعث هذا التردد يعود إلى هذا الكم الهائل من الأخبار والمقالات المتعلقة بالمونديال التي تعج بها الصحافة الرياضية. إنما لا أظن أنه يمكن للمرء أن يتردد عن الكتابة في مواضيع المونديال وهو يتابع خيبة الآمل بخروج جميع المنتخبات العربية من الدور الأول خالية الوفاض من بطولة كأس العالم 2018 المقامة بروسيا حاليا. فقد ودعت أربع المنتخبات العربية مونديال روسيا مبكرا بعد الجولة الثانية من جولات دور المجموعات مخلفة وراءها الكثير من علامات الاستفهام حول سبب هذا الإخفاق، فقد منيت كل من منتخبات مصر والسعودية والمغرب وتونس بثماني هزائم من أصل ثماني مباريات خاضتها هذه المنتخبات، نصيب كل منتخب من هذه المنتخبات هزيمتين متتاليتين. وبهذا الخروج المبكر فإن منتخباتنا العربية ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل: «تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي». لا أحد يجادل أن العرب مهزمون في مجالات عدة. وقد يكون هناك اتفاق شبه عام، على أن الهزيمة في العديد من المجالات ليست سوى وليدة الهزيمة في المجال العسكري. وهذه الرؤية صحيحة إلى حد معقول، مع أنها تحتاج إلى المزيد من الدراسة. ولكن ليس هذا هو مغزى الحديث هنا، بل المغزى هو إثارة السؤال، لماذا العرب مهزومون في المجال الرياضي، حيث لا تستخدم الأسلحة؟ والإجابة هو أن الإنسان العربي بصفة عامة واللاعب العربي بصفة خاصة مهزوم نفسيا وشعوريا ووجدانيا أمام اللاعب الغربي. فاللاعب العربي اختلق في ذهنه الباطن صورة أسطورية عن اللاعب الغربي الذي لا يهزم. وهذا ما حدث حينما تملكت الروح الانهزامية لاعبي منتخبات العربية في المونديال الحالي قبل بدء المواجهات والمنافسات، فصاروا يفقدون الأمل في تحقيق أي نتيجة إيجابية، لذا تجد جميع هذه المنتخبات تلعب بصورة دفاعية مملة وعقيمة كأن منتخباتنا العربية أتت لكأس العالم لتلعب للتعادل فقط؛ اعتقادا منهم أن وصولهم إلى كأس العالم قمة الإنجاز. دعونا نتحدث بصراحة، فالعاطفة لن تنفع أحدا، تخيلوا معي -لا قدر الله- لو تطورت الأمور ووقع المحظور وأصر الاتحاد الدولي لكرة القدم على تقليص عدد المنتخبات العربية في بطولة كأس العالم نظرا إلى تواضع مستوياتها. فالمنتخبات العربية تتهم اليوم بأنها تعاني من الضعف في التكوين الجسماني، والقدرات المهارية، ومستوى اللياقة البدنية، بل وأضاف بعض المتخصصين أن الفكر الرياضي الاحترافي للاعب العربي بصفته الحالية هو المسؤول عما آل إليه حاله الفشل، فالهزيمة والفشل نتاج ما يحتويه هذا العقل من اضطرابات وصفات سلبية، بحيث صار فكر الهزيمة جزءا من عقل اللاعب العربي. ولعل العرب هم الوحيدون في العالم في امتلاك مفردات غريبة، مثل إعطاء صفة الشرف للخاسر الدائم «خسر المنتخب بشرف». قبل أيام دار جدال بيني وبين عدد من الزملاء حول عدم أحقية منتخباتنا العربية في تلقى الهزيمة، وهذا أمر وارد، فالحديث بالعاطفة يجعلك ترى الأمور من منظور مختلف، أو بالأحرى قد يجعلك ترى أن مصر لا تستحق الخسارة، وأن إنجلترا خطفت فوزا غير مستحق من تونس، وأن المغرب لا تستحق الخسارة من البرتغال، أما الحديث بالمنطق وحين ننحي الميول والعروبة جانبا فيمكنك أن ترى الأمور من المنظور الصحيح! إذن العقلية الانهزامية للمنتخبات العربية جعلتها تعيش حالة من الضعف، فباتت سمات الفشل صفة ملاصقة لها، وتنامى بسبب هذه الهزائم الشعور بالسلبية وانتقاص الذات داخل المنتخبات العربية، بحيث أصبح اللاعب العربي خاسر نصف المباراة إن لم نقل معظمها قبل بدء المباراة أساسا؛ لأنه في شعوره الباطن المتراكم منذ أكثر من قرن، يعتقد أنه يواجه منتخبا غربيا لا يقهر. نقطة أخيرة: سوف أتوقف عن الكتابة عبر عمودي «رؤى أكاديمية» مؤقتًا؛ وذلك بسبب إجازتي، على آمل العودة. حياة تستمر.. ورؤى لا تغيب
مشاركة :