أمل سرور دائماً ما نجده يجلس في المنتصف ليجتمع حوله حشد من البشر ينتمون لكل الأعمار، يتخذ من الشوارع والمقاهي و الطرقات العامة مكاناً له، ليبدأ في السرد والحكاية. ننتقل معه عبر الحكايات ويعود بنا إلى زمن الأساطير، نتفاعل معه ويذوب بداخلنا بتجسيده لشخصيات حكاياته من خلال الصوت والحركة، فيخطف حواسنا ويجذب إرادتنا فيتوقف بنا الزمن عند «الحكواتي».نمر سلمون الكاتب والمخرج المسرحي والأكاديمي، الذي تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق عام 1989، وتابع دراسته في المسرح في جامعة السوربون بفرنسا، ونال درجة الماجستير من هناك، ثم حصل على الدكتوراه من إسبانيا، ليؤسس مسرح «الجمهور الخلاّق»، الذي يتحوّل فيه الجمهور من مجرّد مُتفرّج إلى ممثّل وبطل في أعماله، أعاد إلى ذهننا فكرة الحكواتي من خلال تجارب عديدة قام بها بالتفاعل مع الجمهور.أحدث تجارب سلمون في سرد القصص والحكايات التي قدمها احتضنتها شركة «مراس» أخيراً وحققت نجاحاً مبهراً بجذبها جمهوراً عريضاً من كل الأعمار عاد معه إلى زمن الحكواتي الذي نجح أن يخطف حواسهم بعيداً عن عوالم الشبكات العنكبوتية. نمر سلمون يتحدث ل «الخليج» عن تلك التجربة الرائدة التي يفخر بنجاحها وينوي تكرارها.بدأ نمر سلمون الذي يتميز بخفة ظل وحضور لا مثيل لهما بالتحدث عن الحكواتي قائلاً: هو ذلك الشخص الذي يمتهن سرد القصص والحكايات ويسير في الشوارع ويتخذ من المقاهي الشعبية والطرقات مكاناً له، مهنة يعود تاريخها إلى أكثر من 400 عام، فكان الناس يعتمدون على أسلوب الحكاية في تداول الأحداث التاريخية وسرد السيرة النبوية.«كان يا مكان يا سعد يا إكرام ما يحلى الكلام غير بذكر النبي» بتلك الكلمات يبدأ الحكواتي سرد حكاياته، ومن أشهرها «قصص ألف ليلة وليلة»، «السندباد»، «الشاطر حسن»، «عنتر وعبلة»، «الظاهر بيبرس» وحكايات الملوك والأمراء ونوادر هارون الرشيد، تلك الفترة التي كان الحكواتي يسرد فيها الحكاية كاملة، وأحياناً يتوقف عند نقطة شائقة ومثيرة حتى يجبر الجميع على الإقبال عليها كل يوم لاستكمالها.هذه الصورة التقليدية ل «الحكواتي» ربما لم تبق على حالها مع وسائل التواصل الاجتماعي. وعن ذلك، يقول سلمون: من الممكن أن تكون التكنولوجيا ووسائط التواصل الاجتماعي، عنصراً مساهماً في إنعاش الحكاية، إذا استخدمت ضمن نطاق المعقول، ولكن إن زاد استخدامها عن حدّه، فسنكون جميعاً مهدّدين بإلغاء ذواتنا تماماً. سلمون يكرر دائماً مصطلح العلاج بالحكاية، وعن معناه يقول: لا يمكن أن ننكر أو نتجاهل كثرة المشكلات النّفسيّة في العصر الذي نعيشه، وذلك بالطبع نتيجة إلى عوامل كثيرة أثّرت بالفرد، ومن الطّبيعيّ أن يلجأ أصحاب هذه اﻷزمات إلى معالجين وأطبّاء نفسيّين، بحثاً عن حلول تساعدهم على تجاوزها، لأن اﻷساس في العلاج النّفسيّ هو إخراج الصّراعات الدّاخليّة في شكل تداعيات، تشكّل في النّهاية حكاية عامّة للألم، لذلك أرى أن الحكاية هي اﻷساس الّذي يعتمد عليه المعالج النّفسي في إيجاد الحلول، بالإضافة إلى ضرورة نشر الوعي بأهمية الموروث الشعبي الوطني ودوره الرئيسي في حياتنا. وأعني بهذا مفهوم العلاج الحكائي الإبداعي الجديد، الذي يحتاج إلى تدريب البشر على تحليل المعاناة من خلال الحكاية لتصبح محوراً للبوح والعلاج، والحقيقة أن هذا النّوع من العلاج يوفّر لصاحب اﻷلم جانباً إبداعيّاً بالتّعامل مع عذاباته، ليحوّلها إلى حكاية جذّابة مجهولة المؤلّف.سلمون يقترح وسائط لاستعادة مكانة الحكاية في أذهان المتلقين، ويقول: علينا أن نبدأ بالمدارس التي أتمنى أن دخل من خلالها أسلوب الحكواتي، ليستخدمه المدرسون في تعليم الطلبة، إذ كان يقال في الماضي: إن المدرس ينبغي أن يكون ممثلاً جيداً ليصبح مدرساً ناجحاً، وأنا أقول: يجب أن يكون المدرس حكواتياً أولاً قبل أن يكون ممثلاً، ليتمكن من جذب اهتمام الطلبة، فالقدرة على ضبط الكلام وتطويعه، والاستمتاع بالمادّة العلميّة كحكاية «خرافيّة»، سيخلقان تواصلاً أكبر بين المعلّم وتلاميذه. لذا أؤكد أن القالب الحكائيّ هو أفضل الحلول من أجل إيصال المعلومات العلمية، والشائكة منها تحديداً، إلى أجيالنا الجديدة.تجربته مع «مراس» أخيراً كانت فرصة لسلمون لزيادة الشغف بالحكاية لدى جمهور فوجئ بأنه من كل الأعمار؛ لذا يرى أن التجربة نجحت نجاحاً مذهلاً لم يتوقعه. وكانت الشركة أتاحت لزوار وجهاتها «سيتي ووك»، و«بوكس بارك»، و«السيف» خلال رمضان قراءة الكتب وإهدائها من خلال مكتبات مؤقتة تستضيف فعالية «الحكواتي» التي تتضمن رواية قصص شائقة في نهاية كل أسبوع، وذلك ضمن مبادرتها «أهدهم ابتسامة» من «مِراس». واستهدفت «مِراس» عبر مبادرة «أهدهم ابتسامة»، المساهمة في نشر السعادة والأمل عبر التبرع بالكتب والألعاب والملابس دعماً لجهود «جمعية بيت الخير»، وبدعم البرنامج الوطني للسعادة والإيجابية.وأتيح للمشاركين في المبادرة وضع تبرعاتهم في «سيتي ووك»، و«ذا بيتش»، و«بوكس بارك»، و«ذا أوتلت فيليدج»، و«السيف»، و«لا مير» و«لاست إكزت الخوانيج»، و«ذا يارد».وأقامت وجهات «ذا بيتش» و«ذا أوتلت فيليدج» و«لا مير» و«لاست إكزت الخوانيج» و«ذا يارد»، أكشاك «ابتسم» لالتقاط الصور التي تتيح للزوار فرصة تسجيل رسائل إيجابية وتشجيع الآخرين وتحفيزهم. ويقول سلمون عن تعاونه مع «مراس»: مثل هذه التجارب تلعب أدواراً فعالة في الحفاظ على فنون السرد الشفهي، لكن لابد من الاستمرارية ومواصلة هذه الجهود لتؤتي ثمارها، وإلا تحولت بدورها إلى ذاكرة من الماضي. لذا من الضروري مواصلة هذه الفعاليات المهتمة بفن الحكاية والتي تسهم في خلق تراث غير مادي جديد يعيش في الذاكرة الإنسانية.
مشاركة :