مثقفون: مؤسساتنا الثقافية تتذكر الرواد وتكرمهم فقط بعد رحيلهم

  • 6/25/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أين المؤسسات الثقافية من الرواد الذين لا يزالون يعيشون بيننا؟ ولكن تواروا في الظل، لاذوا بأنفسهم ومنازلهم ويعيشون على الذكريات. كيف يمكن استعادة هؤلاء؟ وما الذي يمكن أن نفعله لهم؟ أسئلة تتردد على ألسنة المثقفين، كلما تناهى إلى أسماعهم اختفاء أحد الرموز الأدبية والثقافية عن المشهد، وأمسى ينأى بنفسه عن الآخرين، أو تم تجاهل بعضهم على رغم ما يستطيعون تقديمه من عطاء لافت وعميق. وأكد عدد من المثقفين في استطلاع لـ«الحياة» ضرورة الالتفات إلى هؤلاء الرواد، وتكريمهم في حياتهم لا بعد مماتهم. وجددوا الأمل في وزارة الثقافة، التي يتطلعون إلى أن تمنح هؤلاء ما يستحقونه من عناية. وأوضح الدكتور سعد الثقفي أن هذا الأمر «يتعلق بالمؤسسات الثقافية المتمثلة في وزارة الثقافة، وهيئة الثقافة والمشتغلين بالشأن الثقافي عموماً. فلا بد من قاعدة بيانات للمثقفين، ومعرفة أحوالهم، والسؤال عنهم، وإخراجهم من عزلتهم. وتكريمهم وطباعة آثارهم الثقافية. إن الأمم تحتفل بروادها وتكرمهم ليس بالدروع فقط، ولكن بتسمية القاعات والشوارع بأسمائهم. لكننا سنختلف حتماً على من يحق له تسميته بالرائد. فليست الريادة لكبر سن ولا لأهمية منصب، ولا لعلو قدم هذا أو ذاك في قومه. إنما هي للأثر الذي تركه أحدهم، ولمدى تأثير ما تركه في الحركة الثقافية. وثقتي في وزارة الثقافة كبيرة أن تتبنى هذا المقترح وتجعله هدفاً من أهدافها». في حين قالت القاصة شيمة الشمري: «إن قصرت مؤسسة فلن نعمم التقصير على كل المؤسسات. ما نقرأ ونشاهد من رحم المتابعة للأنشطة أن هناك اهتماماً بالرواد والاحتفاء بهم، والعام المنصرم شهد تكريماً للرواد ومشاركات في كذا مؤسسة ثقافية، وحتى في برامجنا الثقافية نرى هناك اهتماماً ملحوظاً بالقامات الثقافية وإلقاء الضوء على مسيرتهم للاحتفاء والاقتداء. ومهما بذل من جهد قد تسقط بعض الأسماء، وهنا يأتي المثقف الذي من واجبه المشاركة بالتنويه والتذكير للمؤسسات المعنية، وإعطاء أفكاره ورؤاه حول كيفية استعادة هؤلاء الذين هم كنز ينبغي الاعتزاز والفخر بهم والإفادة منهم لأجيال صاعدة»، مشيرة إلى «إمكان الاحتفاء بطرق مختلفة ودائمة لجيل يستحق بقاء ذكره لأجيال مقبلة، فمثلاً إطلاق أسماء أعلامنا الثقافية وكتابنا على المسارح المقبلة وعلى الصالونات الأدبية والشوارع والقاعات، إضافة إلى عمل لقاءات دورية معهم تشعرهم بقيمتهم، وأن لا ننتظر فوات الآوان كالعادة ثم نبدأ الغناء على القبور». أما القاص فهد الخليوي فلفت إلى أنه عندما تتأكد مؤسساتنا الثقافية من أن هؤلاء الرواد رحلوا عن دنيانا «ستحتفي بهم وتكرمهم وتبكي عليهم كما جرت العادة للأسف عند مؤسساتنا الثقافية»، مؤكداً أن استعادة الرواد «تتحقق بتكريمهم وهم على قيد الحياة، من خلال الاهتمام بتاريخهم الفكري والثقافي، وتسليط الضوء على منجزاتهم الإبداعية. محمد الثبيتي وعبدالعزيز المشري وصالح الأشقر وغيرهم من المفكرين والمبدعين الذين رحلوا عن حياتنا المبتذلة، ظلوا طوال حياتهم مهمشين في برامج مؤسساتنا الثقافية التي تدار من طرف موظفين لا علاقة لهم بالأدب ولا بالإبداع». ويوضح الدكتور سلطان القحطاني أنه «كلما مر هذا التساؤل على شخص مثلي يقدر أساتذته ويرى معروفهم عليه، أشتد ألماً وإحباطاً، وأتذكر كلمة شيخنا الزيدان: نحن أمة دفانة، ويعني أننا ندفن الرموز حتى في حياتهم وبعد مماتهم. وأنت تسأل وتستغرب هذا التغييب من المؤسسات الثقافية، لكن دعنا نسأل عن القائمين على هذه المؤسسات التي كانت بالأمس تحتفي بتلك الرموز في عز عطائها، وكأنها قضت منهم حاجتها، وهذا في حد ذاته خطأ فادح، فالرموز يبقون رموزاً وليسوا آلات انتهى مفعولها، فالآلة عند الشعوب غير العربية بالطبع يبقى رمزها في المعارض ودور الآثار، فما بالك بالإنسان؟». وأشار القحطاني إلى أنه عندما كان طالباً في قسم الدراسات الشرقية في جامعة جلاسكو البريطانية «رأيت كبار الأساتذة يؤتى بهم على عربات لعدم قدرتهم على السير، ويجلسون في مكاتب فاخرة للاستشارات. أما نحن فنقعد الأستاذ بجانب السكرتير (مع تقديري لكل منهم) فيسرحان في يوم واحد، ويأتي من بعدهم جيل عديم الخبرة ونبدأ من جديد، وهذا سر تخلفنا، ولو سألنا عن بعض الأساتذة الذين تتلمذنا على أيديهم، فنجدهم يقبعون في منازلهم، وقد يكون كرماً من بعض طلابهم زيارة بعض منهم في المناسبات، الدكتور محمد الشامخ من قسم اللغة العربية بكلية الآداب، اعتزل في مزرعته في عنيزة حتى مات، وفقدنا مؤلفاته ونقاشاته ونشاطه، والدكتور منصور الحازمي يقبع في داره ولا يدعى حتى لندوة أو ملتقى، وهو أستاذنا في السبعينات الميلادية في جامعة الرياض، وغيره كثير، فهذا العقوق علامة بارزة على تخلفنا وإعطاء الفرص لمن لا يستحقها، فصرنا جيلاً بلا أساتذة، حتى وصلنا إلى قول الله تعالى (ضعف الطالب والمطلوب)، ولو سألت واحداً من هذا الجيل لما عرف منهم واحداً ولا مؤلفاتهم القيمة. والأمل بالله ثم بوزارة الثقافة الجديدة، إذا أرادت بناء مناهج ثقافية مؤسسة على خبرة عالية ومجالس إدارات ثقافية من هؤلاء، فالأحياء منهم لن يتوانوا في مد يد العون بالخبرات والمنهجية». ويقول الدكتور خالد الدخيل، عضو هيئة التدريس بكلية اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: «هناك كثير من الرواد يستحقون منا الكثير من الدعم؛ لما بذلوا وقدموا لوطننا ولثقافتنا ولمجتمعنا. والحق - عند التأمل في الواقع - أننا لا نجد مكافأة قدمت لهم توازي ما قدموه من مؤلفات وأعمال علمية و أعمال إبداعية استحقوا فيها الريادة ورفعوا بها هامة الوطن، غير بعض اجتهادات تقوم بها مؤسسات ثقافية هنا وهناك، ولَم يتحول الاهتمام بهم إلى عمل محترف يستوفي جميع مواطن تكريمهم والاحتفاء بهم. لكل ذلك أقول إن هذا الموضوع جاء في وقته وزمانه لأهميته، ولحاجتنا إلى إعادة النظر في قراءة المشهد وتقديم ما يستحقه الرواد من العلماء والمبدعين»، لافتاً إلى أنه «من المهم في وجهة نظري أن نبدأ بوضع المعايير التي تحقق لنا تمييز هؤلاء الرواد؛ سواء أكان ذلك من خلال أعمالهم، أن من خلال حضورهم في الساحة العلمية أم الإبداعية أم الفنية. ومن خلال هذه المعايير يمكن أن نجيب عن سؤال محوري: من هم الرواد؟ يلي ذلك تصنيف الرواد وذلك من خلال عدد من المعايير التي تقوم على مجالات الريادة وموضوعاتها وحجم الإسهام من ناحية الكم أو الكيف، وذلك وفق أسس علمية ومنهجية صحيحة، وأظن أن الأقدر على تولي هذا هم المتخصصون في كل مجال من مجالات الريادة. والأمر الأكثر أهمية أن يعهد بهذا العمل إلى مؤسسة علمية تتخصص في هذا العمل، ويتحول الأمر من اجتهاد المؤسسات، ومجاملات الأفراد، إلى وضع الأسس الصحيحة لتقديم المبدعين. إننا بهذا العمل نقدم عملاً مميزاً نُشْعِرُ من خلاله من بذلوا واجتهدوا وأسهموا أننا لم ننسَ عملهم، كما نقدم القدوات إلى المجتمع من خلال إعادة قراءة أعمالهم، لتكون مثالاً مميزاً ينير الطريق للجيل الجديد، وخصوصاً السائرين على دروبهم».

مشاركة :