تباينت آراء أكاديميين ومثقفين وإداريين حول مساحة نجاحات المثقف في إدارة العمل المؤسسي. ففي حين تحفظ البعض على الأداء طيلة أربعة عقود منذ إنشاء المؤسسة الثقافية، تفاءل آخرون بأداء بعض الإداريين المثقفين. فيما دعا مديرو مؤسسات ثقافية النقاد للعمل المؤسسي والخروج من دائرة التنظير والعمل على شراكة فاعلة باقتراح البدائل وتقديم المقترحات عوضا عن النقد المجرد. في البداية أكد عضو أدبي أبها الشاعر علي الحفظي أن القدرات الإدارية موهبة يمكن أن تتوفر في المثقفين وفي غيرهم، موضحا أن المثقف الناجح يقدم إضافة جيدة داخل المؤسسة التي يعمل بها، ويفترض الحفظي أن مصطلح مثقف يطلق على كوادر لها خصائص خارج المألوف والعادي والتقليدي ما يعني أنها مسكونة بالتجديد والتحديث وإعلاء قيم المواطنة والوطنية والحرية والفن والجمال على كل الاعتبارات الشخصية والمصالح الآنية. وأبدى الحفظي أسفه أن بعض المثقفين عندما تولى إدارة مؤسسة ثقافية انشغل بنوع الثوب والبشت ولون البدلة وربطة العنق ولم ينشغل بعمل مؤسسي ناجح ومضيء ولافت، مؤملا أن تشهد المؤسسات الثقافية بعد ستة أشهر نقلة نوعية يتولى خلالها المثقف بمفهومه الشامل العمل المؤسسي ويكسبه من وعيه وخبراته وقدراته ونجاحاته ما يصب في مجال الوضوح والرؤية الحقيقية للعناية بالثقافة كون الثقافة والإدارة وجهين لفتنة واحدة. واستعاد الحفظي مكان ومكانة رئيس أدبي أبها السابق محمد عبدالله الحميد مقدرا حجم ما أنجزه بكاريزماه الخاصة بأضعاف ما أنجزته مجالس أندية أدبية جاءت من بعده. فيما عزا الأكاديمي والمستشار القانوني الدكتور خميس سعد الغامدي إخفاق المثقفين في الإدارة إلى اشتغالهم بمصادمات التيارات الفكرية وتصفيات حسابات شخصية ما ضيّع بركة جهدهم كما وصف. وأضاف أن المثقفين لديهم القدرة والإمكانات لصناعة أطر للعمل المؤسسي إلا أنه للأسف لم يتمثل للعيان حتى اليوم في ظل تغليب الهامش على المتن. ويرى الكاتب المسرحي محمد ربيع أن ثقافة المرء تترك بصمة واضحة على سلوكه، في بيته ومع أسرته وأصدقائه وفي عمله، مشيرا إلى أن المسألة تبدو مثل حصان يجر العربة، فكلما كان الحصان قويا حسن الدُّربة كلما كان سير العربة مأمونا موفقا، ويصدق ذلك على المجتهد في تثقيف نفسه كما يصدق على المشتغل بالثقافة، لافتا إلى أن إسناد إدارة ما للمشتغل بالثقافة (شاعرا أم ساردا أم دراميا) مسألة فيها نظر، فإن كانت أنظمة تلك الإدارة أنظمة جامدة تبدو مثل أخطبوط لكثرة تعقيداتها فلربما تعطل سيرها على يد مديرها لطبيعة التنافر الذي يكون بين طبع المبدع وطبيعة التعقيد، أما إن كانت أنظمة تلك الإدارة أنظمة مرنة تقبل التحديث، تنصاع للعقل، تتشرب الجوهر الإنساني فالمبدع لها بلا مراء، والتمس عذرا للمثقف العاجز عن ترك بصمة كونه مكبلا بأنظمة جامدة. مستعيدا تجربة رواد كبار تسنموا أعمالا إدارية كبيرة مثل محمد حسن عواد وحسين عرب ومحمد عمر توفيق ومحمد حسين زيدان والصبان وعزيز ضياء وغيرهم رحمهم الله جميعا. فيما قال الأكاديمي الدكتور فيصل طميحي «إن كنت تقصد الأندية الأدبية فجوابي لن ينجح المثقف ولم ينجح وهو رأي قد سبق لي وقلته قبل ما يزيد على ثماني سنوات، خصوصا أن أحداث الأندية الأدبية في جازان وفي الشرقية وربما في غيرها تؤكد أن كلامي كان صائبا».
مشاركة :