الشارقة: محمدو لحبيب يعتبر النص المسرحي مؤسساً أول للعرض، وطرفاً أصيلاً في الثنائية المعروفة عند المشتغلين بالمسرح والمختزلة في النص العرض، وتلك المكانة خلدت نصوصاً مسرحية مشهورة وعديدة في العالم ككل وفي الوطن العربي تحديداً، فهنا مسرحيات أحمد شوقي، ومسرحيات توفيق الحكيم، ومسرحيات سعدالله ونوس، وغيرها مما تزخر به كتب ما يعرف بالأدب المسرحي، وقد نُفِذ العديد من هذه النصوص على خشبات المسارح العربية، وحظيت بحضور جماهيري كبير ورائع.لكن العصر الحالي بات يشهد أفكاراً عديدة تتسمى أحياناً بالتجريب على مستوى النص، وتتعامل مع النص عبر عدة طرق، تجعله فيها تارة يتشكل من على ورشة يجريها المخرج مع أعضاء فرقته، لينجزوا مشاهد يركبونها مع بعضها بعضاً لتكون في النهاية «نصاً عرضاً»، أو يعتمد المخرج تارة أخرى على نص موجود مسبقاً، ليجري ما يعرف بالإعداد المسرحي له، وفي كل ذلك تبدو مكانة النص الأدبي المسرحي السابقة متضررة، وتكاد تختفي.«الخليج» تجري هذا الاستطلاع لتسأل المهتمين والمشتغلين بالمسرح في الإمارات، عن تلك الإشكاليات المتعلقة بالمكانة التقليدية التي كانت للنص الأدبي المسرحي، وهل ولى زمانه إلى غير رجعة؟.الكاتب المسرحي أحمد الماجد، ألف عدة مسرحيات منشورة في كتب وأخرى لم تنشر، مثل «انتبه قد يحدث لك هذا»، و«محاكمة الفيلة»، و«نوبة حراسة»، و«بناية ونهاية»، و«ستارة وناسخ ومنسوخ». أما التي عُرضت ولم تنشر فمن بينها، مسرحيات «هب ودب»، و«يا عيوني»، و«جسوم وحيداً»، فضلاً عن عرضه الأخير في دورة أيام الشارقة المسرحية الماضية بعنوان: «تداعيات» وغيرها.ومع ذلك فهو يرى أن النص الأدبي تراجع كثيراً في العقدين الأخيرين، وأن الدور الأبرز في العملية المسرحية بات للمخرج، ويعبر عن ذلك قائلاً: «لقد تراجع النص الأدبي كثيراً في العقدين الماضيين؛ لأن المخرج في مسرح ما بعد الحداثة، ثم ما بعد الدراما، سعى نحو التخفيف من وطأة أدبية النص، عبر تحميله بأفكار ورؤى وصور تستند في طروحاتها، إلى خلط جميع العناصر في سلة واحدة، وتكوين لغة مسرحية شديدة التميز، ولذلك صار المخرج يعتمد في معالجته الإخراجية للنص، على أنه جزء من المنظومة الإخراجية، حاله في ذلك حال أي عنصر آخر، بعيداً عما كان عليه النص في السابق من سطوة وحضور، حينما كان يجبر فريق العرض بمن فيهم المخرج على الانصياع له». ويؤكد الماجد تبعاً لذلك، أن مكانة النص تراجعت لأنه لم يستطع أن يجاري ويستوعب القفزة النوعية الآنية. ف«الأدوات الفنية القديمة ومنها النص الأدبي، عجزت عن القيام بوظائفها كما ينبغي، ولم تستطع استيعاب القفزة النوعية المسرحية الآنية في الشكل وفي المضمون، وبالتالي جدد المسرح خطابه الفني والفكري عبر تحويل مفردات النص إلى مساحة من فعل التأويل، لتنشيط الذاكرة وإغنائها بالحياتي والجمالي، وخلق أشكال جديدة قادرة على التجدد باستمرار».غير أن الماجد يعود ليشدد على أن كل ذلك لا ينبغي أن يلغي وجود النص أو ينفيه قائلاً: «مع كل ما ذكرته، أشدد على أن المخرج لا يمكنه أن يلغي وجود النص، لكنه ليس ملزماً في نفس الوقت، بالتقيد به حرفياً في أحادية فنية تسقط العرض في زاوية التقليدية القديمة».المخرج المسرحي الشاب سعيد الهرش، أحد الذين اشتغلوا على إعداد النصوص، ولم يتقيدوا بالعمل على النصوص المسرحية الأدبية، لكنه اتجه إلى الإعداد المسرحي للنصوص الشكسبيرية، وأنجز عروضاً من بينها عرض «الذاكرة والخوف»، المعد من مسرحية الملك لير لوليم شكسبير.ويرى الهرش أن عدم اعتماد النصوص المسرحية الأدبية يتماشى مع عقلية الشباب وتطلعاتهم فيقول: «الكثير من المسرحيين لم يعد مهتماً بتلك النصوص ولا بالتقيد بالنص نفسه، بات العرض يُنْجز انطلاقاً من ورشة يجريها المخرج مع فرقته، فيخلقون مشاهدهم التي تستجيب للفكرة التي يريدونها، وللإمكانيات الفنية التي يتمتعون بها».ويضيف الهرش: «إن ذلك يستجيب لتطلعات الشباب المسرحيين، فنحن نريد لخيالنا أن يجد مساحته المناسبة للانطلاق، وأن يتحرر وفق متطلباتنا كشباب، وبالتناسب مع أفكار عصرنا؛ لذلك لم يعد من الضروري ولا من المناسب حتى التقيد بنصوص مكتوبة سلفاً؛ لأنها لا تقترب من روح العرض المتجددة، التي تسمح بإضافات متتالية على الحوار وعلى الملابس، وعلى الشخصيات يجريها المخرج في أية لحظة، وبحسب ما يقتضيه الإبداع والكمال المسرحي الذي نصبو إليه».ويؤكد الهرش أن مثل هذه العقلية التي لا تعتبر النص هاماً ومؤسساً في المسرح، باتت منتشرة في الإمارات. ويقول: «هذه العقلية المسرحية التي تضع النص في إطاره ولا تجعله سابقاً على العرض، ولا خارجاً عنه، بل مصنوعاً في إطاره، أو معداً لأجله، باتت منتشرة بشكل كبير في الإمارات، وهي مناسبة جداً لنوعية المسرح هنا وتخدمه بشكل أكبر من الاعتماد على النصوص الأدبية وتجسيدها».الفنان المسرحي المخضرم وأحد رواد الحركة المسرحية في الدولة الدكتور حبيب غلوم، الذي جمع بين الدراسة الأكاديمية، والممارسة الفنية تمثيلاً وإخراجاً، يرى أن ما يثار من مسألة الابتعاد عن النص المسرحي الأدبي، وصناعته داخل الورش على الخشبة، ليس جديداً، ولا يعد تجريباً، بل هو مجرد استعادة لشكل كلاسيكي قديم عرف منذ فترة المسرح اليوناني تحت عنوان «الارتجال». واعتبر غلوم أن القول بأن النصوص الأدبية أو التي توصف بأنها من كلاسيكيات المسرح، لا تخدم الشباب ولا تنسجم مع خيالهم، ليس على إطلاقه، وأرجع ذلك إلى أن الشباب لم يقرؤوا تلك النصوص، وقال: «لم يُعْطِ الشباب المسرحيون الفرصة لأنفسهم لكي يقرؤوا تلك النصوص، ويعرفوا ما فيها، وأتحدى أياً ممن يتهم تلك النصوص بأنها لا تستطيع مواكبة روح العصر الحالي وتطلعاته، أن يقول لي هل قرأ لصلاح عبد الصبور، وهل قرأ لعبدالرحمن الشرقاوي وغيرهم، وهل قرأ بدافع البحث عن فكرة إنسانية داخل تلك النصوص، وتقديمها على المسرح. لا أظن».وأكد غلوم أن المشكلة ليست في النصوص الأدبية المعروفة والمتداولة ككتب، بل هي أساساً في غياب المنهجية في العمل الفني لدى كثير من المسرحيين هنا، وقال في هذا السياق: «نحن لا نقدم العمل للجمهور لكي يكون هو الفيصل فيه، لكنا نقدمه ونحن نفكر في لجان التحكيم، و اللجان تأتي دائماً لتشاهد شيئاً غير مألوف، ومبهراً، ولا تهتم بما إذا كان النص مكتوباً بطريقة أدبية أم أنه مجرد مشاهد معدة بحواراتها من طرف الفرقة». ويضيف غلوم محملاً المسؤولية للمسرحيين قائلاً: «المشكلة فينا نحن، لأننا نتعامل مع العرض لكي يجلب الجوائز بغض النظر عن قيمته الفنية والفكرية». واستعرض غلوم نماذج من المسرحيات الأدبية المعروفة، وأكد أنها ما زالت صالحة للعرض وقادرة على تقديم الإضافة التي تمتع الجمهور وتفيده، فقال: «إن مسرحيات كمأساة الحلاج لصلاح عبدالصبور، أو مسرحيات سعد لله ونوس، أو عبدالرحمن الشرقاوي، أو حتى النصوص الكلاسيكية لشكسبير، كلها صالحة للتجسيد؛ لأنها تنطلق من أفكار إنسانية صالحة لزمانها وزماننا نحن، فهي تعتمد على أفكار تمس حياة الناس». ودعا غلوم الشباب المسرحيين إلى التركيز والجدية والقراءة الواعية لتلك النصوص.
مشاركة :