متلازمة الحب.. والخوف

  • 6/29/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

غريبة تلك الحياة حينما تصبح نوعاً من شركات المساهمة التجارية، السيد فيها هو الورق والعقود والمصالح والمال، وهذا ما أفرزته لنا ثقافة هذا العصر فتنامت بذرة الخوف والترصد.. الحب هو تلك متلازمة الأمان والهدأة النفسية ذات الإحساس الذي لا يضاهيه إحساس في هذا الكون سوى في جنة الله عز وجل، ولذا ذهب الإنسان منذ أن فُطر يبحث عن الحب لأنه جنته المفقودة وفردوسه الأزلي! هل يجتمع الحب والخوف في وقت واحد؟ سؤال محير ويبحث عن أجوبة، لا تزال عالقة تحوم في فضاء رحب لتهوي على رؤوس الأشقياء الباحثين عنها على الدوام وبلا جدوى! إن متلازمة الحب والخوف لا تجتمع إلا في حالة واحدة وهي حب الله عز وجل والخوف منه، وهو استثناء لا يجتمع سوى له عز وجل، وهذه من معجزاته عز وجل. ولذلك دعونا ننظر في حالنا في هذا الشأن وفي هذا العصر، ولذا تفرد عن سابقيه على مر العصور؛ وبأسباب تفشت بيننا، فقد كان المحبوب هو الغلاف الجوي المحيط بحبيبته فيعطيها الأوكسجين الباعث على البهجة كما في العلوم الفيزيائية. ولنختصر موضوع هذه المتلازمة فيما بين الأزواج، لأنه هو الحب المشروع والحب الباعث على السعادة والاستقرار والمنتج لأجيال تبني الحضارات. فكلاهما سكن للآخر كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم. ولو تأملنا قليلاً في معنى السكن لوجدناه الهدأة والسعادة والاستكانة والهروب من كل مثيرات الحياة وشقائها! ولذلك تصبح العلاقة متداخلة شديدة الارتباط، هكذا ينبغي أن تكون، فهل هي كذلك؟ وهل فكر كل منا في أنها لابد أن تصبح كذلك؟ ثم هل اجتهد كل منا في إزاحة أي عراقيل تعترض الطريق ومنذ الوهلة الأولى؟ وأولها الخوف، وللأمان مدارج ومدارك؟! لا أعتقد ذلك! فمن خلال قراءتنا للحالة الاجتماعية والعلاقات الزوجية في أغلب بلادنا العربية وجدنا ذلك الخلل بظهور تلك المتلازمة الحادثة والمستحدثة في تكوين شخصياتنا، وربما أفرزتها لنا الظروف أو الطفرة الحضارية أو التطلعات السريعة أو التقلبات المزاجية أو قل الصدمة الحضارية كما يطلقون عليها! المهم أنها أصبحت ظاهرة، فالتناول هنا لا يجب لأي قضية إلا حينما يصبح الأمر ظاهرة! والظاهرة أصبحت متفشية وبشكل مخيف. ارتفاع نسبة الطلاق، ويتم الأبناء، ثم الأمر الأخطر عزوف الشباب عن الزواج وعنوسة الفتيات! أمر غريب وعجيب يدعو للدهشة، إذ كيف تخاف ممن تحب؟ وكيف تتوعد من تحب؟ وكيف تعد له العدة لكي تؤلمه وقتما تشاء؟ المسألة يا سادة أن هذه المتلازمة أنتجت لنا لوناً من ألوان إعداد العدة بتربص كل بالآخر، فدعونا ننظر في أناة لأمثلة نسوقها عليكم - إذا ما وافقتموني الرأي - فيما بين الأمس واليوم! إن أول ما يطالعنا في بداية عقد شرع الله هو صحيفة مدونة بشروط لا تنم إلا على الخوف وعدم الأمان وتوقع الغدر والخيانة والتسلط، وهما على أعتاب شراكة من أقدس الشراكات في هذا الوجود، فتصبح وثيقة تهديد ووعيد، وأعتقد أنه في ظل ذلك يكون الوفاء إرغاماً وقيداً ثقيلاً، فتبدأ بذرة المتلازمة في التكَّون! بينما كان أسلافنا يبدؤونها بكلمة شرف؛ وللشرف شأنه فيما بين القبائل! ومما لا شك فيه أن التمدين والنزوح أحد أسباب هذه المتلازمة ليكون القانون هو الضامن بدلاً من الأهل والعشيرة والعادات والتقاليد وما أقبح أن يتلاقى المحبون بين أيدي القاضي كل منهما يسوق أفاعيل الآخر ويندب حظه ويفشي سره. كنا في الماضي القريب نسأل عن الصهر، فإذا قيل إنه (يشارع أنسابه) - أي يقاضيهم - يُرفض طلبه وتُستبعَد مصاهرته بين الرجال؛ فيسود المثل القائل "لا نسب إلا بعد فراق"، هذه كبسولة الأمان والهدأة لكل منهما. وهناك أعراض كثيرة لهذه المتلازمة ومنها الخيانة، التسلط الفكري، وكبح الحرية المشروطة والملتزمة، الاحترام المتبادل بين العشيرين والذي يولد احترام الأبناء لوالديهم، كسر حائط الإنسانية بالسباب أو الضرب والتعدي وغير ذلك كثير، بينما نجد أن هناك حباً كبيراً يجمعهما! فلا يمكن أن يجبر أحد على العيش مع أحد يكرهه لساعة واحدة، أليست متلازمة تدعو للاستغراب؟! وكيف يستوي الحب مع الخوف؟ الخوف من الفراق هو أهم أنواع الخوف تلك هي بذرة المتلازمة المقيتة، لقد عشنا سنوات بين أهلنا وذوينا نرى أسمى أنواع التفاني والإخلاص، بينما نرى اليوم كل يلعب على حبال مفتولة لكي يتمكن من الآخر، متناسين أن بين أيديهم فضاء رحباً من الحرية والتراحم والتواد والتسامح الباعث للأمان، فالأمان هو كبح كل جماح الخوف المقيت الباهت على حياة البشر! لماذا لا يسعى كل منهما لمنح الآخر الأمان والطمأنينة وإظهار الحب؟ وكيف لا وكل منهما قد سلم للآخر حياته ووجدانه وعواطفه وكل مقتضيات حياته؟ إنه عهد لو تعلمون عظيم. غريبة تلك الحياة حينما تصبح نوعاً من شركات المساهمة التجارية، السيد فيها هو الورق والعقود والمصالح والمال، وهذا ما أفرزته لنا ثقافة هذا العصر فتنامت بذرة الخوف والترصد فيضيع فيها معنى الحياة!. فاتقوا الله في النساء اللاتي كن وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرجل هنا هو من يمنح السعادة أو الشقاء، وليبحث كل منهما في كوامن الآخر ليصل إلى مكمن السعادة عنده فيمنحها له، فالسعادة لا تُنتزع وإنما تُمنح وبها يبقى الحب جوهراً نقياً، وللحب تفاصيل صغيرة، لا يعرفها سوى أصحاب القلوب العفيفة بعيداً عن المصالح والأنانية وانتفاخ الذات!

مشاركة :