قالت الروائية والكاتبة الصحفية والمستشار السابق لرئيس الجمهورية المصرية لشؤون المرأة سكينة فؤاد: أن "أبناء الظروف الصعبة الأكثر قدرة على المقاومة". وأضافت في حديث إلى "الوطن": "أخذت الكاتبة ما تمنت إلى أرض الواقع والسياسة، حتى أنني أتحول أحيانا إلى نموذج المرأة المناضلة من أجل الحق، أسوة ببطلة روايتي "ليلة القبض على فاطمة". لم يكفني وضع الكلمات على الورق، فاستكملتها بالحركة على الأرض لتنفيذ ما آمنت به وسعيت إليه. أؤمن بأن الكلمة فعل نضال ومقاومة، من أجل تحريك الواقع وتنبيه الناس وتبصيرهم. لقد حملت الكلمة أمانة من أجل صناعة المجتمع." وتتابع قائلة: "أستعيد حيوية طاقتي الداخلية عندما أعود إلى بورسعيد، يجري بحرها في عروقي مجرى الدم. لطالما حلمت بأن أبحر على متن السفن العابرة لمدينتي إلى كل الدنيا. نشأت على صورة الصياد الذي يستيقظ باكراً للبحث عن رزقه. يرمي شباكه إلى البحر، فتعود ممتلئة أو فارغة. ورغم ذلك يتمتع بكم غير محدود من الرضا. تعرفت على نماذج بشرية تحرس البحر، كأنهم تكونوا من أصداف البحر القوي العنيد المصارع للموت والجندي الإنجليزي. كانت مهمتنا في مرحلة الطفولة إفزاع الجندي الإنجليزي، لأن التربية في حينها قامت على صناعة الوعي وحب الأرض، ففهمنا في وقت مبكر معنى الاحتلال. شهدت العدوان الثلاثي عام 1956. تحاول القوات البرية والبحرية والجوية لثلاث دول إخضاع بورسعيد، فتكونت مقاومة من عشر فرق من أبناء المدينة، فيما كانت الفرقة العاشرة من بنات بورسعيد. لذلك ربط الناس شخصيات نسائية مقاومة في الواقع ببطلة روايتي "ليلة القبض على فاطمة"، حتى تعرفت لاحقا على رئيسة المجموعة المقاومة فتاة في الـ 17 من العمر تدعى "زنيب الكفراوي". وأقر بأن هذه التجربة صنعت مني امرأة مقاومة رغم حياتي المليئة بالتحديات. أنا امرأة لا تعرف الهزيمة، لإيماني بأني على حق وامتلك إرادة الانتصار. لذلك استطاع قلمي مواجهة الصراعات والأخطار". ولا تتردد فؤاد في القول بأن الصحافة أجهضت الكاتبة في داخلها، مستعينة بمقولة أرنست همنجواي "الصحافة مقبرة الأدباء". وتشرح قائلة: "الصحافة والأدب عالمان متناقضان. يريد الأدب من الكاتب الاستبطان والتأني والقراءة العميقة من أجل بناء العمل الأدبي مع إعطاء عمق زمني للقراءة. في حين تريد الصحافة السرعة من أجل مواجهة آلام الواقع. لذلك لم يتوقف الصراع أبدا بين الأديبة والصحفية. فمثلا كان أمامي خياران أثناء عملي على حملة الغذاء في تسعينات القرن الماضي، إما أن أحولها إلى نماذج أدبية أو أخدم الواقع بما امتلكته من حيثيات. ولقد اخترت الخيار الثاني، بسبب خطورة الدراما الواقعية التي يديرها مسؤولون لتجريف الأمة، وتحويل الغذاء إلى وسيلة للقضاء على الإنسان بدلا من زيادة قوته. كتبت فؤاد الكثير من بدايات أعمال أدبية، ما لبثت أن تحولت إلى مشاريع، ثم ضاعت بين أوراقها، بسبب انشغالها بحربها الصحفية الضروس. تقول: "لقد أجهضت الصحفية والسياسية مشروع الأديبة. موت أجنة العقل أصعب من موت أجنة الرحم. وما أكثر الأجنة الذين حبستهم داخل عقلي! لطالما شعرت بشخص يتحرك بداخلي. وهذا ما يميز عالم الأدباء الذين يعيشون مع أبطال يريدون الخروج للنور! وعند الكتابة أبدأ من حيث أريد، وأنتهي من حيث يريد أبطالي، بعد أن أصبح لهم عالمهم وصراعهم الخاص. وللأسف، جنيت على الكثير من أجنة العقل. إلا أن هذا لا يعني أنني لا أشعر بالقلق والحزن العميق، لأن في داخلي حنين إلى الأدب، إنما يجول في بالي سؤال دائم: ألم تحققي ما تطمحي إليه من خلال كلمة من أجل الناس ألم تكن كلمة من أجل تغيير الواقع؟!" رغم ذلك حملت فؤاد القلم لتكتب عن العالم العربي "المتألم" من "العراق إلى سورية وليبيا" بعد أن "لعبنا بالدين وغطيناه بالسياسة" على حد تعبيرها. ترى فؤاد أننا أخطأنا عندما "لم نترك الدين دعوة للإصلاح والبناء والحفاظ على المبادئ والقيم بعيدا عن السياسة، بل ذهبنا نحو فكرة الإقصاء الخطيرة التي تجعل الانتماء للجماعة فوق الانتماء للإسلام والوطن، وكأن التراب الوطني لا قيمة له.
مشاركة :