الدراما الواقعية تتفوّق على مسلسلات "البلطجة" في مصر

  • 4/22/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عكس تصاعد وتيرة الرفض المجتمعي في مصر للتسريبات التي تحدثّت عن إيقاف عرض مسلسل “الطاووس” حجم الشغف الجماهيري بالأعمال الدرامية التي تناقش قضايا اجتماعية واقعية. وبالرغم من أن هذه النوعية من المسلسلات تعد مرآة عاكسة لحقيقة الأوضاع في أي مجتمع إلا أنها لا تزال بعيدة عن تفكير منتجي الدراما. القاهرة – تسبّب قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر بفتح تحقيق عاجل مع القائمين على مسلسل “الطاووس” في زيادة التفاعل الجماهيري مع القضية الاجتماعية التي يناقشها العمل، حيث حقّق نسب مشاهدات عالية بعدما انتفضت صفحات نقاد فنيين ومتابعين للعمل ضد محاولات تشويه صورته والتحقيق مع مسؤولي القنوات التي تعرضه. ويتناول المسلسل قصة فتاة اسمها أمينة، تجسّد دورها الممثلة المصرية سهر الصايغ، تتعرّض لاغتصاب جماعي بعد تخديرها في حفل زفاف بأحد الفنادق الشهيرة على يد مجموعة من الشباب ينتمون إلى أسر لها نفوذ اقتصادي ومكانة اجتماعية، ويقوم الممثل السوري جمال سليمان بدور المحامي الذي يتبنى قضيتها ويدافع عنها. وانجذب قطاع كبير من المشاهدين لمتابعة المسلسل لاعتقادهم بأنه يحمل إسقاطا مباشرا على حادث فندق “فيرومونت” الشهير بالقاهرة الذي اتهمت فيه إحدى الفتيات مجموعة من الشباب بالاغتصاب الجماعي لها، وهي القضية التي جرى الكشف عنها مؤخرا، وما زالت منظورة أمام القضاء. ويحمل دفاع الجمهور والنقاد عن العمل ضد محاولات خروجه من السباق الرمضاني، رسالة هامة، مفادها أن المسلسلات الاجتماعية الجادة والهادفة هي الدراما الحقيقية التي تستحق أن يلتفّ حولها الناس ويدافعون عنها بعكس القوالب الدرامية التي تتناول العنف وتروّج لـ“البلطجة” والمخدرات. وقال مجلس تنظيم الإعلام إن المسلسل يسيء للفن المصري، ويمسّ بقيم الأسر المصرية ويحطّ من شأنها، في حين أن دوره الحفاظ على الهوية والتماسك العائلي والوقوف بوجه العنف، وتقديم أعمال درامية تحمل محتوى إيجابيا يحترم عقلية المشاهد ويلتزم بالقيم المتعارف عليها. ورأى معارضون لموقف المجلس، أنه يكيل بمكيالين ويتعامل بازدواجية في تقييم المسلسلات الرمضانية، لأن الدراما الاجتماعية التي نجحت في استقطاب شريحة كبيرة من الجمهور قدّمت صورة لمشكلات واقعية دون ابتذال، ولم تحتو على مشاهد سافرة تستحق التصدّي لها، والأولى أن يحدث ذلك مع أعمال صدّرت للناس صورة سيئة عن فكرة “الجدعنة” واختزلتها في “البلطجة”. تنظر الجهات الرقابية في مصر إلى المشكلات التي تناقشها الدراما الاجتماعية باعتبارها تسيء للمشاهد، مع أنها تتعرّض لموضوعات بالغة الأهمية. فمسلسل “الطاووس” لا يناقش قضية فردية تتعلق بفتاة تعرّضت للاغتصاب بل يسلط الضوء على ظاهرة التحرش الجنسي بمنظور شامل، وينتقد المجتمع في أنه ينظر دائما للضحية على أنها جانية ضمن توابع الفكر الذكوري الذي يعطي العشرات من المبرّرات للمجرم ليخرج من القضية بأقل الخسائر. وبغض النظر عن دوافع التحقيق مع مسؤولي مسلسل “الطاووس” والقرارات التي يمكن اتخاذها، فالرسالة الأهم ترتبط بردة فعل الجمهور تجاه العمل، والحصانة التي منحها له، والوقوف بوجه أي جهة تحاول النيل منه لمجرد أنه حظي بنسبة متابعة غير متوقعة، مقابل تراجع أسهم أعمال درامية يشارك فيها نجوم كبار، لكنها تدور في نفس الفلك الذي يمتعض الناس منه، مثل العنف والدعاية الأمنية والسياسية. وقالت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله، إن المسلسلات الاجتماعية أصل الدراما التلفزيونية، لأنها تخاطب الواقع الذي يعيشه الناس، وتلامس قلوبهم وضمائرهم وعقولهم، وتثير احترامهم للعمل الذي يتم تقديمه بعيدا عن هوية البطل أو فريق المسلسل، وهذا ما يفتقده الجمهور، لذلك أحدثت الدراما الاجتماعية حالة فريدة من نوعها خلال الموسم الرمضاني الحالي، وهو الدرس الذي يجب أن يتعلمه القائمون على إنتاج الدراما العربية. وظل الجمهور طوال السنوات الماضية متشوّقا لمسلسلات تنقل له قصصا حقيقية وتناقش قضاياه اليومية بواقعية، على الأقل ليشعر بأن ما يتم عرضه على الشاشات يعبّر عن أحوالهم وظروفهم، حتى يتعايشوا ويندمجوا مع العمل، بدلا من إصرار منتجي الدراما على تنشيط الأعمال البوليسية والسياسية والصراعات العائلية التي تسبّبت في إصابة الجمهور بحالة من النفور والملل. وإذا كان “الطاووس” صار قضية رأي عام، فإن مسلسل “ولاد ناس” لا يقل عنه في نسب المتابعة والشغف بما ستؤول عنه الحلقات المقبلة، لأنه ببساطة يسلّط الضوء على قضية بالغة الأهمية ترتبط بالعلاقة بين الآباء والأبناء في الزمن الحالي، وكيف أن الفجوة شاسعة بين الطرفين على مستوى التربية والثقافة والطموحات، كما يتطرّق إلى قضية التعليم وأزمات المدارس الخاصة التي تحوّلت إلى إمبراطوريات مستقلة. ويقدّم “ولاد ناس” صورة من الأزمات التي تعيشها الأسرة المصرية في إطار مثير، حيث يرصد مشكلاتها بغض النظر عن الطبقة التي تنتمي إليها، ونجح في أن يجعل الناس يندمجون معه، كأنهم جزء من فريق العمل، ولأجل ذلك، صار جمهوره من مختلف الشرائح، بسطاء وأغنياء وشباب ومراهقين وأرباب أسر، لأنه استطاع أن ينقل لهم الواقع على الشاشة بشكل أكثر احترافية دون مبالغة أو خيال. كما أن مسلسل “المداح” الذي يؤدّي فيه دور البطولة حمادة هلال والممثلة السورية نسرين طافش، نجح في حجز مكانه عند الجمهور لطبيعة القضية التي يتعرّض لها، حيث يناقش ظاهرة السحر والشعوذة والدجل الرائجة، وأصبح الدجالون أهم من أطباء النفس ويتهافت عليهم المرضى لتسوّل العلاج. أكّدت خيرالله لـ“العرب”، أن أهم ما يميز الدراما الاجتماعية بشكل عام، أنها تخاطب كل الفئات، ولا تقتصر رسالتها على شريحة بعينها أو تدور في فلك افتراضي، وقادرة على جمع شمل الأسرة، فترى الكبير والصغير والرجل والمرأة كلهم يترقبون أحداثها ورسائلها، ليتعلموا ويستفيدوا ويتعمّقوا في تفاصيل كانت غائبة عنهم. ولفتت إلى أن جماهيرية الدراما الاجتماعية تزداد كلما كان العمل بعيدا عن الإسفاف وضرب القيمة الأسرية. فمسلسل “الطاووس” يناقش التحرش والاغتصاب ولم يَعرُض مشاهد مسيئة أو خارجة عن النص، بل إن الضحية فقيرة وترتدي ملابس محترمة، ورغم ذلك تم اغتصابها، وهذه رسالة بأن انتهاك الأعراض ليس سببه ملابس المرأة بل سوء تربية المجرم. وتكمن أزمة الكثير من كتاب الدراما، مثلا، في أنهم كانوا يتعاملون مع المسلسلات التي تناقش قضايا الصعيد (جنوب مصر) باعتبارها اجتماعية حتى صارت موضوعاتها مستهلكة، بالتركيز على الثأر والعنف والعادات والتقاليد، غير مدركين أن المجتمع تغيّر. مسلسل "الطاووس" حقق نسب مشاهدات عالية بعدما انتفضت صفحات نقاد فنيين ومتابعين للعمل ضد محاولات تشويه صورته وتعدّ الأعمال الصعيدية جزءا من الدراما الاجتماعية، لكنها لا تناقش قضايا واقعية، بل تركّز على موضوعات قائمة على الصراع بين الناس، مثل “نسل الأغراب” الذي تحوّل إلى مبارزة بين أحمد السقا وأميرة كرارة. ويكمن الاختلاف الواضح هذا العام بشأن الدراما الاجتماعية في عدم التركيز على الجانب التجاري فقط، وتجنب اللعب على وتر شريحة بعينها، وعدم المبالغة في الإثارة والتشويق القائمين على الخيال، ما جعلها تنافس الدراما السياسية والأمنية بقوة. ويعكس التفاف الناس حول الدراما الاجتماعية رسالة مهمّة مفادها أن الجمهور صار أكثر احتياجا للمسلسلات التي تضبط الأخلاقيات وتناقش السلبيات لا تروّج لها للحد من الصراعات والعنف. فالناس لا يمانعون مناقشة الدراما لقضايا شائكة أو مسكوت عنها، لكن شغفهم يأتي من طرحها بطريقة تعالج الخطأ، ولا تمجّد مرتكبه أو تقدّمه للمجتمع باعتباره قدوة حسنة.

مشاركة :