مشروع نهضة ثقافية... التعاضد بين الوزارة والمثقفين

  • 7/3/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تحيا الثقافة، ليس في سياق التحية والتمجيد، والحماسة، بل على سبيل الإحياء، والظفر بتلك الحياة؛ في سياق أن تحيا الثقافة، ليحيا الوطن، ومجتمع الوطن، وأفراده، وقيم العمق الثقافية في كل ذلك. إن أكبر خدمة من الممكن أن تُقدم للثقافة هي إحياؤها.. الثقافة تفاعل، وكي نضمن لها استمرار هذا التفاعل وجب إنعاشها على الدوام وبشكل مستدام، ذلك كي لا تذبل وتنطفئ وتغيب في زحام الحياة والنمطية، أو في مكاتب وأدراج المؤسسات التي تُعنى بتنمية الثقافة في الوطن، وقيادتها. ثمة مبادئ وأسس، كامنة في الفكر الإنساني تؤسس وتدعم مشاريع النهضة بالثقافة، ولا يغيب عن الوزير – بلا شك – جملة من هذه المبادئ، بيد أن أي مشروع للنهضة بالثقافة يستلزم حضور التظافر والتعاون والتعاضد بين الوزارة المعنية بهذا المُكون العميق، الذي هو الثقافة، وبين المفكرين والمثقفين والكتّاب والمبدعين، للوصول إلى الصيغ المُثلى، التي تعيد دائما وبشكل متواصل بناء مفهوم الثقافة، من حيث أن المشتغلين بأي فن، هم المرجع الموثوق لحسن الصنعة فيه، وهم الحرفيون المهرة الذين يجيدون سبك بنائه.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مثل هذا التصور لا يغيب – بلا شك – عن شريف علمكم، إلا أن إيراد هذه الإشارة، هو من باب محاولة فهم أفضل، لتفعيل مثل هذا الدور بالنسبة إلى المشتغلين في ميدان الثقافة. المشتغل في إنتاج الثقافة إن أهم ركيزة من ركائز العمل الثقافي هي المثقف، الذي يُعد العامل الرئيس فيها.. وهو المشتغل الحقيقي على إنتاجها وبنائها وتداولها، لذلك كان من الواجب أن يتم الاعتناء بهذا المثقف أيما عناية، بواسطة مهمات عدة ووسائل شتى، لدعم هذا العامل والمشتغل بإنتاج الثقافة، ويجدر بنا من خلال هذه المعالجة والمراجعة السريعة التنبيه إلى ملامح هذه المبادرات الداعمة والمحققة للعناية بالمثقف. القاعدة التي تقوم عليها الثقافة – أي ثقافة – هي المعرفة، وبذلك وجب التنبه أولا إلى قيمة المعرفة في تغذية الثقافة بشكل عميق ومؤثر. هذه القاعدة يرتكز عليها المثقف في عملية بنائه واشتغاله بالإنتاج الثقافي، فلا إبداع من دون (قاعدة) معرفية، تكوّن المادة الخام لإبداع المبدعين وفنون الفنانين، ودراسات المفكرين. لذلك فإن حرص الوزارة على تهيئة مكونات وأوعية المعرفة وجعلها متاحة وغير متعسرة الوجود، يبدو من أهم ما يجب أن توليه الوزارة اهتمامها، بل إنني أرى أن يكون هذا الدور في رأس عمليات ومهمات الوزارة، لِما له من بالغ الأثر في إثراء وتطوير الثقافة في الوطن، وقد يتأتى القيام بهذا الدور، إما من خلال إنشاء مراكز ومنصات معرفية وحقول للمعرفة خاصة وتابعة للوزارة، تكون متاحة للمتخصصين أو المشتغلين في هذا الحقل، أضف إلى ذلك أن تكون متاحة للعامة – أيضا – لكي يتحقق هدف الثراء المعرفي المؤدي إلى الثراء الثقافي بوصفه محصلة، وذلك على نطاق أوسع ليشمل غالبية مكونات المجتمع. وهنا فالوزارة تستطيع أيضا عقد الشراكات والاتفاقات مع أهم وأبرز المراكز والجهات والهيئات التي تملك القدرة على تقديم أوعية المعرفة ومشتقاتها وأدوات البحث فيها، ليتم بذلك العمل الحقيقي على تنمية وتطوير العنصر الأول والأساس في الإنتاج الثقافي. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الجانب، الحرص على تمكين المثقف من الوصول إلى كل هذه الإمكانات بيسر وسهولة، وعدم إحاطة هذه العمليات والإمكانات بإجراءات معقدة أو نمطية، بل لا بد أن تكون هذه السُبل مهيأة بشكل احترافي وحديث ومتطور يراعي جانب السهولة والسرعة، وأن تتم العناية بالمحتوى والإجراءات والإمكانات التي تتيحها الوزارة بشكل كبير، كي يتم ضمان استمرارها وتطويرها على الدوام. ومن المبادئ والأسس المهمة في هذا السياق أيضا العناية بالمثقف ورعايته بشكل أكثر تخصصية وتقنينا، بإقامة المؤتمرات والندوات والملتقيات لحصول الفرصة لالتقاء المشتغلين بهذا الميدان وتلاقح أفكارهم ورؤاهم. قد تكون هذه التهيئة للمؤتمرات والملتقيات مما لا شك في أنه واجب حدوثه وتهيئته، لكن الرهان يقوم هنا على مكمن التفوق النوعي لهذه الفعاليات، بحيث يستلزم إنشاؤها وقيامها على أسس احترافية متفوقة، تمحو النمطية والتقليدية التي عانت منها هذه الفعاليات في الأزمان الفائتة، لذلك من المستحسن أن تُنتدب لصناعة هذه الفعاليات كوادر شابة، وخبرات فائقة لتهيئتها وإدارتها وصنع كفاءتها بالصورة الأمثل. رعاية خاصة للمثقف كما أن الوقت حان لتقديم «رعاية خاصة» للمثقف والمفكر والكاتب، بالقيام بانتدابه وتفريغه فترات زمنية كافية لأن ينتج فيها مشروعا ثقافيا رائدا، كما يجب، تبعاً لذلك، تهيئة كل حاجاته التي تعينه على إنتاج هذا المشروع، الذي سيكون بلا شك رافداً لحركة الثقافة في الوطن. إن مثل هذه المبادرات التي أوردتها سابقا، وعدد من المبادرات الأخرى التي لم تُذكر في سياق هذه المقالة، كفيلة بإذن الله بجعل حركة الثقافة في شغل دائم وفي حراك متصل، حتى تؤتي هذه المبادرات نتائجها المرجوة في رفع كفاءة الثقافة لدى الأفراد والمجتمع، وبذلك نصل إلى المجتمع المعرفي المثقف، الذي يسهم في تنوير أفراده ونقلهم نقلة نوعية على مستوى الفهم والمعرفة والوعي والإدراك. الثقافة، مفهوم ضخم وهائل وعميق كما تعرفون، وإن مظاهر ومراحل بنائها وتنميتها عدة، وهي من الكثرة بما يجعل الإحاطة بها كلها مسألة صعبة، لكن ما أحببت أن أورده في هذه المقالة هو عبارة عن إسهام يسير ومتواضع، أرى أنه جزء يسير أقدمه من فعل اشتغالي بالثقافة على مستوى شخصي، وبمثابة واجب وطني محتم، لكوني مهتما بهذا الشأن، وأسأل الله لكم التوفيق والسداد.

مشاركة :