ورق يحتضر وصحافة لا تموت 1-2

  • 7/5/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

كانت صدفة معبرة صدور الأمر السامي الكريم في السعودية مطلع حزيران (يونيو) بإيقاف التعامل الورقي المتعلق بالإجراءات والأعمال المالية، وإتمام استخدام الخدمات الإلكترونية عبر منصة «اعتماد» الرقمية التابعة لوزارة المالية خلال 60 يوماً، مع إعلان صحيفة «الحياة» إيقاف النسخة الورقية في بريطانيا ولبنان ومصر. وإن اختلف مجال وأهداف الإعلانين فإنه يجمعها حقيقة أن الزمن لم يعد زمن الورق، فهل يعني هذا أن الصحف والمؤسسات الصحافية ستموت حتماً كما يزعم مناصرو الإعلام الاجتماعي؟ الأرقام والحقائق تقول إن الصحف حول العالم تواجه تحديات متزايدة، تركت بعضها مريضة مالياً وأخرى تحتضر، فيما ماتت صحف واختفت، لكن الحقائق أيضاً تقول إن الصحافة لا تزال حية تتنفس بلياقة عالية، وستظل كذلك في كل وقت طالما بقي بشر يعيشون على الأرض. أَعتبرُ هذه المقدمة مهمة للتفريق بين الصحف كمنصات ورقية ومؤسسات إعلامية وبين الصحافة كمهنة. هي مقدمة مهمة لتحليل وفهم حدود تأثير ثورة الإعلام الجديد اليوم ومستقبلاً، فالصحف منصة تتغير باختلاف حاجات الإنسان وتبدل نمط حياته، لكن الصحافة مهنة راسخة مازالت هي المورد الموثوق الأول لصناعة منتج استهلاكي يومي اسمه «الخبر»، وهو منتج يحتاجه الإنسان اليوم كحاجته للخبز، وسيبقى في حاجته غداً حتى لو تغير نمط حياته وبات يفضل استهلاك الخبر على هاتفه الجوال عبر منصات الإعلام الاجتماعي. وإن أظهرت صحافة المواطنين على منصات التدوين والتواصل الاجتماعي تفوقاً على المؤسسات الإعلامية في صناعة الخبر في مناسبات مهمة، بدأت في إعصار تسونامي 2004 التي احتكر فيها المدونون الصور والمقاطع المصورة، وكما في ثورة الخضر في انتخابات إيران 2009، أو كما وثقت كاميرا فتاة مغمورة بسالة رجل أمن سعودي قضى على إرهابيين بحي الياسمين في الرياض عام 2016، إلا أن تلك المناسبات تبقى استثناءات فردية وقليلة جداً مقارنة بكمية الأخبار اليومية الهائلة التي يحتاجها الناس أفراداً ومؤسسات ولا يستطيع توفيرها بموثوقية وفق المعايير المهنية سوى المؤسسات الإعلامية، وهو ما تؤديه كل يوم الصحف ووكالات الأنباء والتلفزيونات والإذاعات، ويمكن أن نتخيل كيف سيكون حال مواقع التواصل الاجتماعي ومشاهيرها لو قررت كل المؤسسات الإعلامية التوقف فجأة عن العمل ليوم واحد، فالفرد أي كان حجم تأثيره وعدد متابعيه لا يستطيع أن ينافس أصغر مؤسسة إعلامية في أهم منتج للإعلام وهو «الخبر»، فضلاً عن أن نسبة كبيرة من المحتوى الذي يقدمه الأفراد على مواقع التواصل هو تفاعل أو تحليل مع محتوى مصدره مؤسسة إعلامية وليس فرداً. في المقابل، فإن الإعلان وهو المورد الرئيس للمؤسسات الإعلامية التقليدية في انحسار محلي وعالمي، مع نمو مطرد للإعلان الرقمي، ففي أميركا بلغت نسبة نمو الأخير في العام الماضي 21 في المئة متجاوزاً للمرة الأولى في التاريخ حجم الإنفاق على الإعلان التلفزيوني ومستحوذاً على 88 بليون دولار، بحسب التقرير السنوي للدخل الإعلاني على الإنترنت في أميركا الذي صدر في شهر أيار (مايو) الماضي بواسطة مجموعة بي سي دبليو للإعلام الجديد، وأشار التقرير إلى أن الجوال استحوذ في الأغلب على هذا النمو في الانفاق على الإعلان الرقمي بـ49 بليون دولار، أي ما يعادل 57 في المئة من إجمالي الإعلانات في السنة، في حين نما الإعلان في الإعلام الاجتماعي (السوشال ميديا) وفاز بنحو ربع حصة الإعلان الرقمي. إذاً، كيف يمكن فهم معضلة الحاجة اللانهائية إلى الأخبار وإلى منتجات المؤسسات الإعلامية مع تضائل مواردها بسبب هروب الإعلانات إلى المؤثرين والمشاهير في مواقع التواصل بسبب الكلفة الأقل ونسب المشاهدة الأعلى فضلا عن التصنيف الدقيق لشرائح ومواقع الجمهور المستهدف، مع التسليم بأن الربحية هي ضامن رئيس لاستمرار عمل المؤسسات الإعلامية؟ مقالة الأسبوع المقبل ستحاول الإجابة على هذه الأسئلة. * كاتب وباحث في الإعلام والإتصال. woahmed1@

مشاركة :