حين سُئل مؤسس شركة آبل ستيف جوبز في لقاء مصور في 2010، قبل وفاته بنحو عام، عن سبب دعمه للصحف في أميركا وهو رائد ثورة «الآي فون» «والآيباد» التي قادت العالم إلى التحول نحو قراءة الأخبار والكتب في النسخ الرقمية وعلى مواقع التدوين والتواصل الاجتماعي، على حساب الصحف والورق، قال: «(واشنطن بوست) و(نيويورك تايمز) و(وستريت جورنال) ومجلات ومطبوعات أخرى، تواجه مشكلات اقتصادية، وهي مهمة بكل ما تعنيه الكلمة كمؤسسات للتحرير وإنتاج الأخبار، فأنا لا أريد أن نرى أنفسنا ننحدر لنكون أمة من المدونين، نحن نحتاجها (أي الصحف) اليوم أكثر من أي وقت مضى». جوبز كان يقول بعبارة أخرى إننا بحاجة ماسة اليوم كما في الغد إلى الصحافة كمهنة أساسية لا نستطيع أن نستغني عنها ولا يستطيع أن يشغلها سوى المؤسسات الإعلامية، وإن تراجع دورها أو غيابه يعني خللاً لا يحتمل، وهو ما أشرت إليه في الجزء الأول من المقالة، لكن جوبز لم يقدم في المقابلة وصفة الإنقاذ اللازمة للمؤسسات الإعلامية كما قدمها لآبل في 1997 حين تهاوت أرباح الشركة بشكل مروع على وقع اكتساح مايكروسوفت للسوق، ليوقد انطلاقة الهواتف والأجهزة الذكية التي غيرت قواعد اللعبة في صناعة الاتصالات وفي كثير من الصناعات المتقاطعة معها، بما في ذلك الإعلام. فكيف استجابت المؤسسات الإعلامية والصحف الورقية تحديداً كموضوع للمقالة لهذه التحديات في الصناعة وهي بين أكثر المعنيين بتغير اتجاه السوق في التسويق والإعلان مثلاً كمورد أول للصحف؟ الظاهر للعلن أن الصحف لم تغير كثيراً في استراتيجيتها ما يعزز التفاؤل بغد واعد، باستثناء نقل المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، وباستثناء تقليص مصاريفها في الوظائف والمكاتب والامتيازات، وبالنظر إلى أن الصحف ليست شركات مساهمة في الغالب ليمكن تحليل أدائها المالي، فلا يملك المراقب من القرائن على حجم أزمتها المالية سوى ما يسمعه أو يقرأه إقليمياً وعالمياً عن هجرة الإعلان والكفاءات الصحافية، أو عن مقالة محبطة تستجدي دعماً حكومياً بحجة أن الصحف ليست مشروعاً تجارياً فحسب، وأكثر إحباطاً أن تطلب صحيفة بحجم الجارديان البريطانية صدقة «لوجه الله» من قرائها بخمسة جنيهات استرليني عبر إعلان في صدر موقعها الالكتروني، بحجة دعم المحتوى الصحافي القيم! نعود هنا لحكمة خبير التسويق ثيودور ليفيت التي تقدم دائما جزءاً من الحل بأن قصر النظر التسويقي والفشل في فهم حاجات الزبائن هو العدو الأول لأي صناعة، وفي حين لا أحد يدعي امتلاكه لخطة إنقاذ الصحف والمؤسسات الإعلامية، فلم يعد سرا أن الزبون القارئ لم يعد يقرأ الصحيفة الورقية، كما لا يرغب الزبون المعلن بالتسويق على منصة لا يعرف بالتحديد كم عدد من يقرأها، فضلاً عن عمره ومكان وجوده واهتماماته. إن حالة الصحف لا تحتاج إلى كثير الدهاء للوصول إلى نتيجة بأن أول خطوة في الإنقاذ هو «اعتماد خطة تحول شاملة». خطة تحول تعيد تعريف القطاع والدور الذي تؤديه الصحيفة، وقد تجد في التحالف مع قطاع آخر فرص للنمو واستثمار مكانتها وإمكاناتها. خطة تحول تجعل الصحيفة مورداً أول لتصميم منتجات توائم نمط سلوك الجمهور وأسلوب حياتهم وتفضيلاتهم. خطة تحول لا تستثني مجلس إدارة وقياديين لا يزال بعضهم في موقعه منذ السبعينات الميلادية ويعمل بالآلية والعقلية نفسها، ولا يزال عنده أمل أن تتغير النتائج للأفضل. خطة لا ترى في التحول الرقمي الشامل وإيقاف هدر وتكاليف الطباعة للنسخ الورقية مساساً بكبرياء المؤسسة الإعلامية العريقة ومساواة دونية مع مواقع إخبارية إلكترونية تسمي نفسها «صحفاً» إلكترونية. خطة تحول لا يبقى معها الإعلان هو المورد المالي الأول للمؤسسة، قد يختفي معها الإعلان على الورق وقد يختفي فيها الورق، وتبقى فيها الصحافة مهنة لا تموت. * باحث في الإعلام والاتصال. woahmed1@
مشاركة :