صحيح أن الحب هو أحد أهم أعمدة الحياة المتوازنة عامة، والحياة الأسرية خاصة، إلاّ أن جرعاته عندما تزيد عن القدر الضروري تتحوّل إلى سم قاتل، ووسيلة تخريب للناشئة، وعلى مستوى المنزل والمدرسة والشارع، ممّا يعني أنه لابد من التوازن في حقن جرعات الحب بحكمة ودقة بالغين، وفي الوقت نفسه نجد أن الحرمان منه بصورة كاملة أو جزئية قد يؤدّي إلى ما نشاهده ونعايشه من مشكلات سلوكية، وانحرافات فكرية، وعقد نفسية، وتفكك عائلي واجتماعي، ولو أننا تتبعنا حالات انحرافات الناشئة من الجنسين، لوجدنا أن الحِرمان العاطفي في مقدمة الأسباب، وفي الوقت نفسه زيادة جرعات الحب والعطف، أيّ الدلال المفرط مع الناشئة من عوامل تخريبهم، إذن فالتوازن في التعامل وضخ جرعات الحب والعطف هو الحل لكل القضايا! من مظاهر الانحرافات الشائعة التي نراها ونعايشها في مجتمعنا الاستخدام السيئ لوسائل التواصل والتقنيات المعاصرة، فتحوّلت من وسيلة تسلية بريئة، ومصدر معرفة، واكتساب مهارات اجتماعية، وبناء الشخصية إلى وسيلة تدمير للأخلاق، وإدمان إلكتروني، وجمود العلاقات العائلية والاجتماعية، بل إن ما يُسمّى بالمخدرات الإلكترونية تكاد تصبح ظاهرة بين أبناء وبنات الجيل الحالي، ومن المظاهر المزعجة التي يمارسها كثير من شباب اليوم التفحيط بالسيارات ليلاً ونهارًا داخل الأحياء، وعلى الطرقات الرئيسة أحيانًا، وليس التدخين والمعسلات بعيدة عن هذه المصائب! فقدان التوجيه التربوي الكافي والمناسب للناشئة والشباب في البيت والمدرسة وغيرهما من المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإعلامية هو أحد عوامل انغماسهم في دوامة المشكلات السلوكية، والإحباطات، والعقد النفسية، وكأنّي بالمجتمع أصبح يتجاهل، أو قد يجهل مسؤوليته في حل هذه المشكلات، ومساعدة أبنائه وبناته على تخطي أزهى مراحل أعمارهم وأكثرها حيوية وطاقة، وقدرات وقابلية لنمو العقلي والفكري والتوجيه والإرشاد، أو كأن معظم الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات، وبقية رموز المجتمع باتوا يفتقدون القدرة على القيام بمسؤولياتهم نحو الناشئة، أو أنهم يشعرون بالإحباط من نجاح مساعيهم في أداء هذه المهمّة غير السهلة، وقد يحتج بعضهم بأن الزمام ليس في أيديهم، وأن الشباب لا يصغون إليهم، ناهيك عن الهجمة الإعلانية والإعلامية التي تستهدف قلوبهم البريئة، وعقولهم، ومن خلال بطونهم وغرائزهم! وعلى افتراض مصداقية هذه القناعة، فهل يستسلم المجتمع بمؤسساته التعليمية والتربوية والإعلامية، والوالدين خاصة لهذا الشعور السلبي القاتل، أم أنه قد يوجد ثمة بصيص أمل في حلحلة المشكلة وتحجيمها على الأقل، أم هل سينهض الجميع من وهدة الاستسلام ليمارس كل دوره المنوط به؟ وهل ستعير وسائل الإعلام المحلية على أقل تقدير هذه المشكلة شيئًا من اهتماماتها، وتقوم بما لديها من وسائل وإمكانات لسد الثغرات، وملء الفجوات، ومساعدة البيت والمدرسة والجهات الأخرى لإصلاح الخراب، وصد الهجمة القذرة على أغلى ثروة نملكها ونعتز بها وهم الشباب، الذين هم أمل الأمة ومستقبلها المشرق بحول الله؟ sirafat@gmail.com
مشاركة :