سماحة الإسلام واعتداله أفضل مواجهة للتطرف

  • 7/6/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حوار: جمال سالم الدكتورة نادية عمارة، داعية إسلامية متميزة تمتلك من العلم والفكر والوسطية الإسلامية ما يمكنها من التعامل مع مشكلات وهموم الجماهير، من خلال الفضائيات التي تطل منها؛ حيث تتسلح دائماً ب«فقه التيسير»، وتراه أفضل الوسائل لمواجهة تيار التشدد والتطرف الذي أعطى خدمة ذهبية لأعداء الإسلام للطعن فيه.التقيناها في حوار حول هموم الأسرة العربية الاجتماعية؛ حيث أكدت أن الابتعاد عن تعاليم الإسلام فيما يتعلق بالزواج أدى لانتشار العنوسة والطلاق على حد سواء؛ بسبب تعسير الناس على أنفسهم على عكس تعاليم الدين الذي يدعو للتيسير، وحذرت من إدمان الأزواج والزوجات لوسائل التواصل الاجتماعي، الذي يعد أخطر من المخدرات، وأوضحت أن الرياضة النسائية حلال بضوابطها الشرعية، وأنها شخصياً مارستها؛ لأنها مفيدة للجسد والعقل والناحية النفسية.. وفيما يلي تفاصيل حوارنا معها: تطالبين بمزيد من التمكين للمرأة في المجال الدعوي، فماذا تقصدين بذلك؟ - أقصد إعطاءها حقها في التعليم، ثم الممارسة لأمور الدعوة، خاصة بين بنات جنسها في كل الدول العربية والإسلامية، وكذلك حقها في التمثيل في بعض المؤسسات الدعوية، سواء في الأزهر أو مختلف المؤسسات الدينية في العالمين العربي والإسلامي، وأن يكون لها دور في الإفتاء في المؤسسات الإفتائية؛ لأنها الأقدر على الإفتاء في القضايا التي تهم بنات حواء لرفع الحرج عنهن في الأمور الخاصة، كما أن الدعوة النسائية ليست حكراً على أحد وإنما مجالها مفتوح لكل من هي ذات كفاءة ومشهود لها بالعلم. الرفق والتيسير تؤكدين دائماً أنك تتلمذت على يد الشيخ محمد متولي الشعراوي، فماذا تعلمت منه؟ - تعلمت منه الرفق واللين والتيسير، خاصة فيما يتعلق بمشكلات الأسرة التي نبحث لها عن حل للمحافظة على استقرارها، وليس التعسير للوصول إلى طريق مسدود يؤدي للفشل ودمار الأسرة وضياع الأولاد، ونحن هنا نطبق ما طبقه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حياته؛ حيث إنه ما خير بين أمرين إلا أختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الابتعاد عن تعاليم الإسلام فيما يتعلق بالزواج أدى لانتشار العنوسة والطلاق على حد سواء. الدعاة المعسرون هل معنى هذا أن بعض الدعاة المعسرين يضرون بالأسرة والمجتمع؟ - بالتأكيد، لأن هناك من أدعياء الدعوة ما ضيقوا كل واسع في الدين، وعسروا كل سهل، وخالفوا منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي طبقه في حياته حتى إنهم ما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أعسرهما ولو كان إثماً، أليس في سنة النبي- صلى الله عليه وسلم - دروس لنا نستفيد منها ونطبقها في حياتنا الدعوية، ألم يروِ الصحابي الجليل أبو هريرة أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس فصلى ركعتين، ثم قال اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- «لقد تحجرت واسعاً» ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد فأسرع الناس إليه فنهاهم النبي- صلى الله عليه وسلم- وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلاً من ماء أو قال: «ذنوباً من ماء». أين هؤلاء من هذا التيسير النبوي؟ ما أهم الأسس التي تستند إليها مدرسة التيسير في الدعوة؟ - هذه المدرسة تسمى «مدرسة القرآن»؛ وهي التطبيق الواعي لما أمرنا به الله ورسوله، فالله تعالى يقول: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، ويقول: «هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج...»، ويقول عز وجل: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم»، كما يقول تعالى موجهاً حديثه لرسوله الكريم: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين».وعلى هذه المدرسة القرآنية سار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله»، وقال أيضاً: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى». والذي أراه أن تجسيد سماحة الإسلام واعتداله أفضل مواجهة للتطرف الفكري. مشكلة كبرى تنشب كثير من المشكلات داخل الأسرة بسبب سوء علاقة الزوج بأهل زوجته فتكون الزوجة فريسة بينهما، فمن تطيع؟ وماذا تفعل إذا تصادم زوجها مع أهلها؟ - هذه من المشكلات الكبرى التي تعصف باستقرار كثير من الأسر العربية؛ حيث لا يعرف كل طرف ما عليه من واجبات تجاه الآخرين قبل أن يبحث عن حقوقه عليهم، ومن المتفق عليه شرعاً أنه بمجرد الزواج وانتقال الزوجة إلى بيت الزوجية تصبح الولاية عليها لزوجها وليس لأبيها أو أمها أو أخيها، ولكن لا طاعة له عليها إذا أمرها بقطع علاقتها بأهلها إذا تنازع معهم، لأنه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». فلا ينبغي للزوجة أن تترك نفسها لزوجها يتحكم فيها كيفما يشاء حتى يصل به الأمر إلى منعها من صلة رحمها وزيارة أهلها. هل من حق الزوج أن يجبر زوجته على زيارة أهله أو العيش معهم خاصة إذا لم يكن هناك وفاق بينهم وبينها؟ - يجب على الزوج أن يكون داعياً للصلح بين زوجته وأهله بالترغيب وليس بالترهيب، وشرعاً ليس من حقه إجبارها على ذلك خاصة إذا كانت مظلومة منهم، وعليه أن يدعوها إلى الصبر عليهم، لأنهم أهله، ولها ثواب الصابرين على عدم قطيعة الرحم أو جعل علاقته بأهله متوترة، ومن المعروف أن جزاء الصابرين عظيم عند الله -تعالى- في الدنيا والآخرة. زوج آثم ماذا تفعل الزوجة إذا تعسف الزوج وخيّرها بينه وبين أهلها أو الطلاق إذا لم تطعه؟ - من يفعل ذلك هو إنسان غير طبيعي، وأي زوجة تجد من زوجها هذا المنع والتعسف والظلم والإصرار على تضييعها حقوق أهلها خاصة الوالدين وصلة رحمها بوجه عام، فهو آثم شرعاً، وعليها أن توقفه عند حده ولا تطيعه، ومن حقها زيارة أهلها ولو لمرة كل أسبوع أو أسبوعين مثلاً بالتراضي بينهما فإن رفض زوجها ذلك فإن من حقها أن تشكوه لأهله أو من لهم سلطة عليه، فإن أصر على موقفه فمن حقها طلب الطلاق للضرر، وعليه هو ذنب قطيعة الرحم التي ذم الله فاعلها بقوله «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم»، فهل بعد لعنة الله عقوبة؟! فتاوى مقززة ما شعورك عندما تستمعين لفتاوى غريبة مثل إرضاع الكبير ونكاح الوداع والبهائم وغيرها من الفتاوى المقززة؟ - للأسف أشعر بالغثيان والتحسر على أحوال المسلمين الذين يقتلون ويذبحون في كل مكان، حتى أصبحوا في ذيل الحضارة الإنسانية، ووصفهم بعض الغربيين بأنهم «عالة على الإنسانية»، ودعا آخر إلى إبادتهم قائلاً: «ماذا سيفقد العالم بموت المسلمين؟». وبدلاً من أن يكون بعض علماء الإسلام في طليعة نهضة الأمة من كبوتها، وتحسين صورتها المشوهة بسبب التصرفات المنفلتة من بعض المنتسبين إليها، يكمل هؤلاء العلماء منظومة التردي والتخلف بهذه الفتاوى التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإذا كانت قد وردت في بعض كتب التراث فإن حكماء الأمة من الفقهاء اتفقوا على أنه «ليس كل ما يعرف يقال، وما يقال في القاعات المغلقة غير ما يقال للعامة وفي وسائل الإعلام» وقد كان الشيخ الشعراوي - رحمه الله- يقول لنا دائماً «خذ من الفقه ما ينفع العامة فقط، ولا تذكر المسائل الفقهية بشكل كامل إذا كانت تحدث فتنة». الرياضة النسائية قامت الدنيا عليك عندما أعلنت أنك كنت تمارسين بعض الرياضات النسائية بالضوابط الشرعية، ما هذه الضوابط لمن لا يعرفها؟ - الإسلام دائماً يزكي كل ما من شأنه أن يرتقي بالإنسان من الناحية العقلية والعاطفية والنفسية، وبالتالي لا مانع شرعاً من ممارسة المرأة للرياضة في إطار الضوابط الشرعية التي تحفظ العورات وتمنع ما حرم الله إظهاره، وتمنع الاختلاط، مع العلم أن الأصل في الأمور كلها الإباحة ما لم يرد نص بالحرمة، والرياضة مثلها مثل كل شيء في الدنيا؛ حيث يكون حلاله حلالاً وحرامه حراماً وبهذا إذا أخرجت ممارسة الرياضة - الحلال أصلاً- شيئاً معيناً خرج من حيز الحلال إلى الحرام فهنا يكون هذا التجاوز حراماً لذاته.وقد ورد في كتب السنة والسيرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- كان يشارك أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها - في سباق الجري وكانت تسبقه وعندما زاد وزنها كان يسبقها ويقول لها النبي عليه الصلاة السلام «هذه بتلك».. وهذا يدل على أن الترفيه النفسي المرتبط بالرياضة كان موجوداً أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، وهنا إن كانت الرياضة بين الزوجين في مكان آمن بعيداً عن الناس فلا شيء فيها؛ لكن لو تصورنا أن هذا السباق بين الزوجين في مكان عام وبملابس تكشف ما أمر الله بستره، فهنا يتحول الحكم من الحلال إلى الحرام، وكذلك في بقية الرياضات التي تمارسها المرأة، فهي في الأصل حلال إلا إذا دخل عليها ما ينقلها من الحلال إلى الحرام مع بقاء القاعدة الشرعية التي أرساها الحديث النبوي الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار». وبالتالي فإن الدين لا يعارض ممارسة المرأة للرياضة؛ لكن بضوابطها الشرعية.

مشاركة :