من الأمور البديهية التي ربما تغيب عن الكثير من البشر، أن الله تعالى خلقنا مختلفين أشكالا ومضامين، حتى لو استحضرنا المقولة الشائعة (يخلق من الشبه أربعين)، وكلما أطل علينا مونديال كأس العالم لكرة القدم في ثوب جديد، كلما طفت على السطح الاختلافات والميول الرياضية، وبناء على ذلك ينبغي ألا تكون هناك أي ذرة من الغرابة والاستغراب، عندما نرى من يتحزب للماكينات الألمانية، أو يتعاطف مع راقصي السامبا البرازيلية، أو يستميت بالوقوف مع منتخب الديوك الفرنسية، أو يتحمس لمنتخب الثيران الإسبانية، أو... كل ذلك يصب في السياق الصحيح الذي وجد به هذا الكائن البشري الذي خلق مختلفا. ولكن هناك من يقفز على طبيعته، وسليقته التي وجد بها، فتراه يحول اتجاه البوصلة مائة وثمانين درجة، فيصير الاختلاف إلى خلاف، والتقارب إلى ابتعاد، ويريدك أن تتقوقع في دائرته، فإن لم تكن معه فأنت ضده، بل يرى في نفسه أنه فوق كل اعتبار، ووحده من يملك ناصية المعرفة والحقيقة، ونسي أو غاب عن فهمه أن هناك معارف وحقائق متعددة، بتعدد زوايا الرؤية، أرأيت كيف حول الاختلاف الطبيعي إلى خلاف دخيل مع سبق الإصرار والترصد؟ الاختلاف يحتاج إلى ثقافة وانفتاح، ورحابة صدر، ونفس طويل، واستقرار نفسي، وثقة في الذات، وعدم المكابرة، وإقبال، هذه وغيرها تندرج تحت عنوان ما يسمى بثقافة الاختلاف، أما ضيق الأفق، والانغلاق على الذات، والتحلي بالنفس القصير اللاهث من شدة التعب، ووعورة الطريق، وتزعزع داخلي، وإصرار واستماتة على الخطأ جراء غياب الخيارات، وتعدد زوايا النظر، وشك في الذات، وإدبار بطعم الانسحاب، والصوت العالي، كلها مؤشرات تدل على سمات أصحاب الخلاف، وما هو التخلف في أبسط صوره؟ أليس سيادة الخلاف الرياضي على حساب الاختلاف جزء منه؟ ومتى ما وجدت الخلاف هو الخيار الأوحد، وصاحب السطوة الأثيرة، حتى لو كان على حساب فطرة الخليقة التي أوجدها المولى تعالى مختلفة منذ البدء، سنظل قابعين إلى أبد الآبدين في وحل التخلف الرياضي.
مشاركة :