من جنوب لبنان أتت إملي نصرالله للدراسة والكتابة حول الجذور العائلية، الحياة في القرية اللبنانية، الاغتراب والهجرة، نضال المرأة في سبيل المساواة والتحرر وخصوصا حرية التعبير، ثم الحرب، وقد عانتها مع عائلتها ومواطنيها. وقد احترق منزلها العائلي، مع مجموعة مخطوطات إبان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في العام 1982.ولدت إملي نصراللّه في 6 يونيو 1931 في كوكبا، جنوب لبنان. وكانت نشأتها في الكفير، بلدة أمها. بدأت دراستها الابتدائية في المدرسة الرسمية، الكفير، ثم تابعت دراستها الثانوية في الكلية الوطنية – الشويفات، قرب بيروت، ومنها انتقلت إلى كلية بيروت الجامعية، ثم الجامعة الأمريكية حيث تخرجت بشهادة بكالوريوس في العام 1958.بدأت عملها الصحفي عندما كانت طالبة في الجامعة، روايتها الأولى طيور أيلول نالت فور صدورها ثلاث جوائز أدبية، وتلتها سبع روايات وتسع مجموعات قصصية.كما كتبت للفتيان الرواية، والقصة، كذلك خصت الأطفال ببعض قصصها وألفت كتابا في سيرة النساء الرائدات من الشرق ومن الغرب، وشاركت في مؤتمرات أدبية، وندوات دولية من بينها: كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، سويسرا، هولندا، الدانمارك، وبعض البلدان العربية. أعطت الباحثة الأمريكية د. ميريام كوك اهتماما خاصا لروايات نصراللّه، خصوصا في كتابها "الأصوات المختلفة للحرب: كتابة المرأة عن الحرب الأهلية في لبنان"تُرجمت بعض روايات وقصص نصراللّه إلى عدد من اللغات بينها: الإنجليزية، الألمانية، الهولندية، الدنماركية، الفنلندية والتايلاندية.طرحت إملي نصرالله العديد من التساؤلات في رواياتها خاصة "الرهينة" ومن بين هذه التساؤلات، أين تبدأ علاقة الإنسان بمحيطه وأين تنتهي؟ بل أين تبدأ علاقة الإنسان بقدره وإلى أي بعد تصل؟ في محاولة منها عبر الشخصيات، والأحداث، والأسلوب البليغ، أن تسلط أضواء جديدة على وضع المرأة، في مجتمع لا يزال يعتبرها مخلوقا قاصرا يستدعي الوصاية.وتقفز إملي نصرالله أبعد من الواقع الاجتماعي الملموس، فتشبك عملها الروائي بالوجود الإنساني، أسراره، وغايته، وذلك ببساطة وشفافية وشاعرية تضع عملها هذا بين روائع الأعمال الروائية في العصر الحديث، إذ تعد رواية "الرهينة" علامة بارزة في مسيرة القصة العربية حاولت إملي نصر الله من خلالها أن تكسب الرواية العربية لونا خاصا من البعد النفسي والمنحى الفكري، لقد أرادت من الأدب أن يستشرف آفاقا بين الواقع وسوابقه ولواحقه ليفهم الإنسان سر وجوده لا وجوده فحسب، رواية تختصر عصرا، وترسم واقعا تاريخيا وإنسانيا.وفي "طيور أيلول" نجد في أيلولها حزنا وفي طيورها شجنا، تنقاد إليهما من خلال كلماتها وعباراتها التي وكأنها ترسم لوحات ألوانها هي محض أحاسيس ومشاعر تدفقت من لحظة ولع بقرية هي موئل الفؤاد. فعند إملي نصرالله نبع إبداع أدبي لا ينضب مصدره القرية وطبيعتها، وهو متجسد بأعمالها، إلا أنه يبلغ ذروته في روايتها "طيور أيلول". فهذه الرواية، إلى جانب روعة صورها الفنية، وإلى جانب ثرائها التعبيري والبلاغي والتصويري واللغوي، إلى جانب كل ذلك، فإن طيور أيلول تمثل في إحدى جوانبها دراسة اجتماعية لعادات وتقاليد أهل تلك القرية، وفي جانب آخر، هي تمس وببراعة عالم النفس الإنسانية بكل طموحاتها المؤجلة والمعجلة، وبكل أمانيها المقهورة والمبتورة، وبكل معاناتها التي وكما هي بقعة سوداء في حياة بطلة إملي، هي إلى ذلك بقعة ضوء أكسبت تلك الرواية سمة الواقعية، وأغنت عالم الرواية بالكثير من التجارب الإنسانية.وحول موقفها من الحداثة، قالت إملي نصرالله في حوار لها أجراه معها يسري الأمير نشر في مجلة الآداب: " أتيت من قرية تقليدية، ومن مجتمع مغرق في تقليديته. وهذا كله انتقل معي إلى بيروت، إلى درجة أنني عشت في الجامعة الأمريكية ــــ التي كانت بؤرة تحرر فكري واجتماعي ــــ وأنا أرفض الخروج مع أي زميل إلى سينما أو حفلة راقصة، لأن أبسط "تقرير" عني يمكن أن يصل إلى والدي هو: "روح ضُبّْ بنتَك!" ولذلك كنت واعية تماما لئلا أخيب أمل أحدهم.ثم إنني كنت الفتاة الأولى من الضيعة، وتجربتي ستفتح الطريق في القرية لغيري من الفتيات. ولما كنت وحيدة في بيروت و"من دون حماية،" فقد أوجدت ذلك التشدد مع ذاتي ومع الآخرين في المدينة والجامعة.لكن هذا تلازم مع نزعة شبه بطولية إلى الاستقلال والتحرر. فقد كنت أؤمن أن المرأة قوية وقادرة على أن تشق طريقَها وحدها، وقادرة على تحقيق ذاتها وحدها. وقد ترى تناقضا بين أن أكون داعية تحرر، وبين أن أكون أسيرة المجتمع القروي. لكنني أرى أنني صرت أشد اندفاعا إلى المطالبة بالحرية والاستقلالية لأنني عرفت القسوة والاضطهاد التقليدي للمرأة."وتستطرد إملي نصرالله قائلة: " حين بدأت الكتابة لم أكن أنظر إلى المرأة الغربية وحدها نموذجا. قد تكون هذه الرؤية هي المرآة التي أرى في انعكاسها الإمكانيات التي يمكن أن تصل إليها المرأة؛ إنما كانت المرأة القريبة مني هي همي الأول: تلك التي عانيت معها، وتألمت معها، وكنت سأكون في وضعها الآن لولا منعطف صغير في حياتي يسر لي أن أكتب عنها وأطرح قضيتها.وكان عندي أيضا هم آخر، هو هم الهجرة. وهو موضوع آلمني كثيرا، لأن أجيالا أخرى، سبقت جيلي، كان هدفها وتطلعاتها الأولى أن تكبر وتسافر: فالأرض كانت تزداد شحا، والفرص تقل أو تنعدم. وفي عائلتي صدمت بهجرة إخوتي الذين خلفوا وراءهم والدين على أعتاب الشيخوخة، وتركوني لأنني أرفض الهجرة، رغم أنني سجلت في الـ"كوتا.". لذا لم أعبر عن الهجرة إلا سلبيا. ولم أكتف بنقد الهجرة في طيور أيلول، أو في الإقلاع عكس الزمن، بل ما زالت الهجرة عندي حتى الآن موضوعا أشعر أنني في بداياته، لأنه بالنسبة إلى مجتمعنا، خاصة المجتمع الريفي، في صلب مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية".هكذا كانت إملي نصرالله الرافضة للهجرة بما تحمله من قسوة الفراق واغتراب النفس، والمحرضة على التحرر في معظم أعمالها، حتى وفاتها في 14 مارس 2018.
مشاركة :