«سوق عكاظ»: جذور الماضي وروح المستقبل

  • 7/6/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يستعيد سوق عكاظ في الطائف اهم الشخصيات الشعرية العربية الطائف: ميرزا الخويلدي* تمثل سوق «عكاظ» اليوم ملتقى للثقافة السعودية، وتؤكد الحاجة لإعادة اكتشاف الأماكن والمواقع والشخصيات التاريخية والأدبية التي عاشت في الجزيرة العربية. * الأمير خالد الفيصل: «سوق عكاظ ليس حدثا ثقافيًا فحسب، وإنما مشروع حضاري إنساني متكامل، يستلهم فكرته الأساسية من الدور ذاته الذي كان يؤديه السوق في الماضي». * الأمير سلطان بن سلمان: «سوق عكاظ يمثل قيمة وأهمية تتجاوز أهميته كفعالية وطنية رئيسية إلى أدوار أعمق، ما يجعل إحياءه والاهتمام به هو إبراز للبعد الحضاري للمملكة». بعد نحو 1400 عام على وفاته، يعود الشاعر والفارس العربي عنترة بن شداد، إلى صخرة ما زالت تحمل بصمات فحول الشعراء العرب الذين سطروا معلقاتهم وحفروها في الذاكرة… يمتشق عنترة سيفه وينشد الشعر بكامل لياقته وحماسته ومروءته، وفي لوحة مسرحية مثيرة للعجب، يسير إلى جانب عنترة، شاعر المجون وصناجة العرب ميمون بن قيس الملقب بـ«الأعشى» وهو الشاعر الذي كان أحد ألمع الوجوه الشعرية في سوق عكاظ قبل وفاته عام 629 ميلادية، والذي يتحدّر من قرية «منفوحة» التي أضحت اليوم من أحياء العاصمة السعودية الرياض. وخلافًا لعنترة الفارس، اشتهر الأعشى بلقب «صناجة العرب» لكثرة مراودته مجالس الشرب والطرب، ولما يتضمنه شعره من موسيقى الغزل، والتغني بالمرأة والخمر. المكان هو جادة سوق «عكاظ»، الذي يعجّ بفحول الشعراء؛ ففي مكان آخر يتأبط النابغة الذبياني ذراع رجل وقور طاعن في السنّ هو زهير ابن أبي سُلمى، وقد شرع يذكر العرب بمآسي اقتتالهم في حرب داحس والغبراء: وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَة وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ في حين يسند لبيد بن ربيعة، ظهره على عمود، وهو ينشد: طربَ الفؤادُ وليتهُ لمْ يطربِ وعَناهُ ذِكْرَى خُلَّة ٍ لَمْ تَصْقَبِ سَفهًا وَلَوْ أنّي أطَعْتُ عَواذِلي فيما يُشِرْنَ بهِ بسَفْحِ المِذْنَبِ في جادة «عكاظ» حيث تمر مواكب الشعراء والفرسان وهي تلقي الشعر وتقرض القصيد، يتوافد إليها جمهور يشده الحنين إلى أيام العرب الخاليات، لم يكن عنترة الذي ألهب حماس الشباب والشابات من زوار سوق عكاظ، مجرد مقاتل صلد وشديد المراس، بل كان فارسًا يتحلى بأخلاق رفيعة مع نبل الشمائل وطيب الخصال، وهو أيضًا عاشقٌ عذب البيان، رقيق الحاشية، كما أن سيرته تكشف عن صراع مرير ضد الظلم والتهميش والعنصرية. يمزج «سوق عكاظ» بين أصالته التراثية، وحضوره الفني والثقافي، تمثل جادة «عكاظ» الحاضنة التاريخية للمكان، ففي وسط إطار من التراث يلتقي الجمهور كل عام بالشعراء الذين نبغوا في سوق عكاظ: (عمرو بن كلثوم وعنترة بن شداد وزهير بن أبي سلمى وامرؤ القيس وطرفة بن العبد والأعشى وقس بن ساعدة، وغيرهم)، حيث يمتطي الفرسان خيولهم ويقودون جمالهم إلى المكان الذي كان يُنشد فيه الشعر في استعراضات بصرية تجمع بين الأداء الفني والإلقاء الأدبي.يستعيد سوق عكاظ في الطائف اهم الشخصيات الشعرية العربيةعكاظ التاريخ كانت «عكاظ» التي ابتكرها العرب ضمن ثلاثة أسواق في الجاهلية: «عكاظ، ومجنة، وذي المجاز» موسمًا سنويا للشعر والأدب والتعريف بالشعراء وإجازة النوابغ ووضع موازين للقوافي ومعايير للأدب الرفيع، وانتخاب أفضل القصائد لتصبح من المعلقات، حيث كانت تضرب للنابغة الذبياني قبة حمراء من أدم، فتأتيه الشعراء لتعرض عليه أشعارها، وذلك قبل سبعين عاما من الهجرة. وكانت بداية سوق عكاظ في حدود عام 501 للميلاد، حيث كانت طرق التجارة قد انتظمت، وتقاطعت على جزيرة العرب مع تطور الممالك العربية في مختلف أنحاء جزيرة العرب، وكانت مكة المكرمة محجة للعرب من آلاف السنين، كما كانت مدن القوافل قد أخذت مكانتها التجارية والاقتصادية ومنها الطائف. وتعتبر سوق عكاظ فصلاً مهمًا من تاريخ العرب قبل الإسلام فقد كانت تُمثل تجمعًا اقتصاديا، واجتماعيًا، وثقافيًا، وقد تطورت فيه لغتهم، وشعرهم، وأدبهم، وذابت فوارق لهجاتهم، وعاداتهم، وتوحدت لغتهم نحو اللغة العربية الفصحى. وكان العرب «يتعاكظون» هناك، أي يتفاخرون بالأحساب والأنساب، وبأمجاد قبائلهم، عبر الشعر، ويروي المؤرخون أن النابغة جلس ذات يوم في سوق عكاظ، يحكم بين الشعراء، وكان للتو قد أجاز الأعشى، فجاءته الخنساء، تُمَاضِر بنت عمرو بن الحرْث، ترثي أخاها صخرًا، وتقول في مطلع قصيدتها: قذى بعينيك أم بالعين عوّار أم أقفرت إذ خلت مِن أهلها الدار كأن عيني لذكراه إذا خطرت فيضٌ يسيل على الخدّين مـدرارالأمير سلطان بن سلمان فأعجب النابغة بالقصيدة، وقال لها: والله لولا أن أبا بصير (الأعشى) أنشد قبلك، لقلت إنك أشعر الناس… أو قال: «لقلت إنك أشعر الجن والإنس». وهذا ما يؤكد مكانة المرأة العربية وحضورها، ويُقال إن حسان بن ثابت كان حاضرًا، فامتعض من تفضيل الخنساء، وقال: أنا أشعر منك ومنها!، فطلب النابغة من الخنساء أن تجادله، فسألته: أي بيت هو الأفضل في قصيدتك، فقال: لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وأسيافنا يقطرن مِن نجدة دما قالت له الخنساء: إن في هذا البيت سبعة من مواطن الضعف! قال: كيف؟ قالت الخنساء: الجفنات دون العشر، ولو قلت الجفان لكان أكثر، وقلت «الغر» والغرة بياض في الجبهة، ولو قلت «البيض» لكان البياض أكثر اتساعا، وقلت «يلمعن»، واللمعان انعكاس شيء من شيء، ولو قلت «يشرقن» لكان أفضل، وقلت «بالضحى» ولو قلت «بالدجى» لكان المعنى أوضح وأفصح، وقلت «أسيافا» وهي دون العشرة، ولو قلت «سيوف» لكان أكثر، وقلت «يقطرن» ولو كانت «يسلن» لكان أفضل. فحار حسان عن جوابها.عكاظ اليوم تمثل سوق «عكاظ» اليوم ملتقى للثقافة السعودية، ويمكن أن يعبر بها نحو العالم، وتؤكد الحاجة لإعادة اكتشاف الأماكن والمواقع والشخصيات التاريخية والأدبية التي عاشت في الجزيرة العربية ومثلت علامة فارقة على هامة الإبداع العربي، فالسعودية تحفل بالكثير من المواقع التي احتضنت الذاكرة العربية، تاريخًا وتراثًا وشعرًا، مثل ديار حاتم الطائي في حائل، وأطلال «خولة» التي طالما تغنى بها طرفة بن العبد، ومرابع عنترة بن شداد في القصيم، وذكريات ابن المقرب العيوني في الأحساء. وكلها يمكن أن تمثل ذاكرة نابضة بالتاريخ والأدب وشاهدة على أصالة الإنسان وتجذره.يستعيد سوق عكاظ في الطائف اهم الشخصيات الشعرية العربية على مدى 12 عامًا من عمر سوق عكاظ، استعاد المكان زهوة حضوره الأدبي حيث كان ذات يوم «أكاديمية» عربية للشعر والأدب والفروسية، فعمل على إثراء الفكر والأدب عبر مسابقات شملت الشعر العربي الفصيح، يمنح الشاعر الفائز كل عام بردة الشعر وجائزة قدرها 300 ألف ريال سعودي، وجائزة أخرى للسرد العربي، يمنح الفائز بها 100 ألف ريال. وجائزة مماثلة لريادة الأعمال، وجائزة للابتكار، وعدداً آخر من الجوائز في الخط العربي والرسم وغيرهما. يحفل السوق بالكثير من الفعاليات الثقافية، يشارك فيها عشرات المثقفين والأدباء والشعراء العرب، في هذا العام تضمن البرامج الثقافي (10) ندوات ثقافية، و(8) ورش عمل، و(3) أمسيات شعرية، ومسابقة للعروض المسرحية. واشتملت الفعاليات الجديدة هذا العام على عروض لقصص من حياة الشعراء بسوق عكاظ، فضلاً عن عروض للأسواق التاريخية ومزادات العرب، مثل: عروض قوافل التجارة (الشام، اليمن)، ومسرحية «زاد»، لعروض البيع والشراء. كما تضمنت فعاليات لقوافل الإبل والخيل العربية، مثل: مدرسة الفروسية للأطفال «فارس عكاظ»، وعروض تسارع الإبل، وعروض الشعراء على الإبل، و«فعاليات فتيان عكاظ» التي تشمل استوديو عكاظ للأطفال والعروض التفاعلية للأطفال، إضافة إلى بازار العرب وفعاليات المعلقات الشعرية، وعروض اللوحات العربية، وعروض النحت على الصخور، وعروض التصوير التاريخي، وفعاليات الحرفيين من جميع أنحاء المملكة، وعروض الصوت، والشاشات التفاعلية، والخيمة، والخط العربي، وألوان عكاظ، والخيمة الثقافية.مهرجان سياحيالفائزون بالفائزون بجوائز عكاظ 2018جوائز عكاظ 2018 نجح «سوق عكاظ» في تحويل الثقافة والتراث إلى عامل جذب، وإلى صناعة سياحية، حيث ضم السوق منذ عودته قبل 12 عامًا أنشطة وعروضاً ترفيهية، بالإضافة إلى سوق للحرف ومنتجات الأسر المحلية. وقبل سنوات قليلة، وصفت دراسة أعدتها منظمة السياحة العالمية التابعة لـ«اليونيسكو» سوق عكاظ بأنه المنتج السياحي الأول ثقافيًا حول العالم. وصنفت الدراسة وهي الأولى لها عن السوق وتناولت محور «السياحة والتراث الثقافي غير الربحية» المعلقات والمساجلات الشعرية المقامة على هامش السوق بأنها أول منتج سياحي تراثي ثقافي غير مادي حول العالم. وأكدت منظمة السياحة العالمية أن سوق عكاظ مكن فئات المجتمع من المشاركة مما أثمر تحقيق عوائد مالية لهم، كما أنه لعب دورا رئيسيا في تعزيز التمسك باللغة وتأصيل السياحة الثقافية غير الربحية من جهة والفريدة من جهة أخرى، وأوضحت الدراسة أن المعلقات والمساجلات الشعرية شكلُ من أشكال التعبير وتقليد عربي عريق ووسيلة تراثية غير ربحية، وكذلك الحال بالنسبة للحكايات والقصائد الملحمية التي يشملها برنامج المهرجان، واصفة مساجلات الشعراء الشفهية بأنها ذات مستوى ثقافي غزير يحفظ اللغة ويحميها من الاندثار. ومنذ عامين، تنظم الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، بالتعاون مع شركائها من الجهات الحكومية الرئيسية في الطائف، مهرجان سوق عكاظ، حيث ساهمت في تطويره وإضافة الكثير من الفعاليات الجديدة والمتميزة التي عملت عليها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وشركاؤها في محافظة الطائف خلال أشهر من الاستعدادات لهذه المناسبة المهمة.عكاظ الفنّشخصيات تاريخية كما بدت في سوق عكاظ منذ عامين، أصبحت «سوق عكاظ» منصة للفنّ ومسرحًا لإقامة الحفلات الغنائية والفنون الموسيقية والشعبية التي تجسد ثقافة السعودية وتاريخها العريق، حيث شارك نجوم الغناء السعودي في تنظيم حفلات مفتوحة في سوق عكاظ، ويشهد مهرجان هذا العام مشاركة 10 فنانين في حفلات جماهيرية في السوق. يذكر أن «فنان العرب» محمد عبده، شارك في حفل الافتتاح بأوبريت غنائي كتب كلماته الأمير الشاعر بدر عبد المحسن، وقُدِّمت فيه كثير من اللوحات الفنية. وسبق لعبده أن افتتح الأمسيات الفنية في سوق عكاظ في العامين الماضيين، حيث قدَّم العام الماضي مجموعة من أعماله الغنائية. وتقدم الهيئة العامة للثقافة ومجموعة MBC ضمن فعاليات سوق عكاظ هذا العام حفلين غنائيين، الأول، سيكون يوم الخميس 12 يوليو (تموز) ويحييه الفنانان عبد الله الرويشد، ومحمد عبده، والحفل الثاني سيكون يوم الجمعة 13 يوليو، ويقيمه الفنانان كاظم الساهر، وماجد المهندس.سوق «عكاظ» بين خالد الفيصل وسلطان بن سلمانحفل سوق عكاظ هذا العام 2018 كان للأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز، نجل الملك فيصل الذي يعود إليه الفضل في تحريك عجلة الباحثين والمؤرخين نحو استعادة هذا المعلم الذي طواه النسيان. وحمل السوق في نسخته الجديدة المتألقة جانبا من تطلعات وفكر خالد الفيصل. وقد تحدث إلينا في حوار سابق عن تطلعه لأن يصبح السوق حاضنة حقيقية للإبداع الإنساني، وأن يصبح السوق جزءاً من كيان كبير تسهم مؤسساته في تحقيق نهضة حضارية قوامها الإنسان (القوي الأمين).حفل سوق عكاظ هذا العام 2018 وقال: «سوق عكاظ ليس حدثا ثقافيًا فحسب، وإنما مشروع حضاري إنساني متكامل، يستلهم فكرته الأساسية من الدور ذاته الذي كان يؤديه السوق في الماضي، من خلال تقديمه طيفًا متعدد الألوان من الأنشطة والبرامج المتنوعة في مجالات الثقافة والأدب والفكر والعلوم والتقنية الحديثة والتراث والتجارة». وقال إن إحياء سوق عكاظ يمثل له «نفس ما يمثله لجميع المثقفين والمبدعين العرب من إحياء لحالة رمزية ثقافية وإنسانية أصيلة، حفظ التاريخ مكانتها، وإن غيبها الزمن طويلا». أما الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني رئيس اللجنة الإشرافية العليا لسوق عكاظ، القائد الجديد لهذا السوق، فقال: «إن سوق عكاظ يمثل قيمة وأهمية تتجاوز أهميته كفعالية وطنية رئيسية إلى أدوار أعمق، تتمثل في مكانته التاريخية والحضارية، ما يجعل إحياءه والاهتمام به هو إبراز للبعد الحضاري للمملكة وهذا هو أحد الأهداف الرئيسية للهيئة». وتابع قائلاً: «هذا العام التركيز على الفعاليات والفنون التي تعكس التراث الحضاري للمملكة والتراث الفني للحجاز»، مؤكدًا أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للتراث الحضاري للمملكة الذي يمثل سوق عكاظ أحد عناصره، يركز على إبراز العمق الحضاري للمملكة العربية السعودية. مضيفًا أن خادم الحرمين الشريفين مهتم بأن يرى هذا المشروع النور، حيث دعمت الدولة المشروع بملياري ريال تقريبا لإنشاء متاحف ومشاريع تراثية، ودعمت البرنامج بأكثر من خمسة مليارات ريال في المرحلة الأولى.

مشاركة :