لماذا تفشل الاستراتيجيات أحياناً؟

  • 7/8/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

إن قياس فشل الاستراتيجيات ونجاحها مرتبط بمجال تطبيقها. ففي مجالات محددة، يكون فشل الاستراتيجية واضحا ويصعب إخفاؤه، ويكون الأمر غير ذلك أحيانا أخرى. فمن المجالات التي تكشف نجاح الاستراتيجية من فشلها المجال العسكري. إن نجاح أي استراتيجية حربية عادة يقاس بعدد الخسائر في الأرواح والمعدات، وتتضح بذلك الخسارة وفداحتها أو الانتصار وعرضه. المجال الآخر الذي يبدو فيه فشل الاستراتيجية واضحا هو المجال التجاري، الذي يقاس بحجم الثروة المالية. فإذا كان قياس النجاح والفشل ممكنا، فلماذا تفشل الاستراتيجيات عادة؟ مع وجود أسباب كثيرة للفشل، يكفي أن نحلل سببا واحدا مهما للإجابة عن السؤال. كنت قد قلت في المقالة السابقة إن عبور قناة السويس وما تلاه من أحداث كان شاهدا على نجاح استراتيجية حرب رمضان. وأعني بنجاح الاستراتيجية هنا، أن تكوينها بُني على أسس واقعية وخيارات نابعة من قراءة سليمة لميزان القوى. وكانت مخالفة الاستراتيجية شاهدا على أن الخيارات الأخرى، مثل تطوير الهجوم إلى المضايق، إنما هي خيارات لا يمكن تنفيذها، وستؤدي إلى الفشل، لكن من منظور آخر يمكن أن نجد من يقول إن الاستراتيجية على عكس ما نتصور لم تنجح. إن نجاح الاستراتيجية رهين عدد من الفرضيات الأولية، التي يجب الاتفاق عليها قبل الحكم على النجاح أو الفشل. من الفرضيات التي تجعلنا نحكم على الاستراتيجية بالنجاح هي تدمير خط بارليف، فقد عبر الجيش المصري القناة بكفاءة عالية، ودمر المواقع الحصينة، واستطاع أن يقف شرق القناة دون أن يستطيع العدو الرد بهجوم مضاد يعيد له بعض ما خسره. هكذا تكون الاستراتيجية ناجحة إذا افترضنا أن الهدف منها هو تدمير خط بارليف، لكن الاستراتيجية فاشلة، من ناحية أخرى، لو كانت الفرضية هي أن الهدف هو تطوير الهجوم إلى المضايق. إن من أهم أسباب فشل الاستراتيجيات هو الانطلاق من فرضيات خاطئة؛ كأن تنطلق الاستراتيجية من أهداف عامة، لكن تفترض - خلاف ما هو متوقع - أن تحقيق هذه الأهداف لن يتم إلا في إطار زمني طويل. ففي حرب رمضان، كان الهدف العام هو استرداد سيناء كاملة، لكن كان عدم الإيمان الحقيقي بالمدى الزمني المقترح لتحقيق هذا الهدف وراء مخالفة الاستراتيجية. إذا كان الأمر كذلك، فهل نحمل الاستراتيجية مسؤولية فشلها في الإقناع، ثم عدم قدرتها على معالجة نتائج مخالفتها؟ أي أننا إذا اعتبرنا فهم الاستراتيجية والإيمان بها شرط نجاحها، يصبح من مسؤوليتها تحقيق هذا الشرط. وفي هذه الحالة، تكون الاستراتيجية ناقصة عندما لا تتنبأ باحتمالات مخالفتها لتحولات في الوعي بالموقف الذي يتطور باستمرار، لكن هل نكون بذلك منصفين عندما نحمل الاستراتيجيات وصانعيها مسؤوليات لا تقع ضمن نطاقها؟ الإجابة بالطبع لا، لكن تعريف نطاق الاستراتيجية هو ما يحدد معيار النجاح من الفشل ابتداءً. وللحديث بقية.

مشاركة :