لا أعرف كيف تجرى إحصاءات البطالة ولا أعرف كيف يتم تحليلها ولكن ما يمكن استنتاجه أن هناك ثغرة في عملية التوظيف. طالع الإعلانات في انحاء البلاد وادرس محتوياتها ستجد جلها إعلانات استهلاكية. ملابس ساعات مراكز تسوق سفر ويتقدم كل هذا إعلانات شركات الاتصالات. لا تعكس الإعلانات محنة البطالة التي يعاني منها المجتمع كما تقول الإحصاءات. عندما ينتشر مرض لا قدر الله تنمو حوله تجارة. مهما كان البعد الإنساني إلا أن التجارة والتكسب تنتظر اهتمام الناس واتجاهاتهم فتتخلق منها مادة لتحقيق الأرباح. في مسألة البطالة لا بد أن تنمو مجموعة من التجارات من المخدرات والعياذ بالله إلى تجارة التدريب وتطوير المهارات. لا تلاحظ ضمن الإعلانات التي تملأ الوسائل الإعلانية ميل حقيقي إلى تسويق شيء اسمه تدريب ومعاهد تدريب وتطوير. في كندا حيث أعيش كمية إعلانات التدريب والتطوير وخدمة المجتمع الجامعية تتفوق في عددها على إعلانات شركات الاتصالات. مشكلة البطالة لا تحلها فرض السعودة. بطاقات الأحوال ليست شهادات مهارة كما أردد دائما. يفترض أن تتحد البنوك والأنشطة المالية وتقيم معاهد تدريب على المهارات البنكية. أن تتحالف مراكز السياحة والترفيه وتشيد مراكز تدريب خاصة بها ونفس الشيء مع المراكز الطبية ومراكز التجميل وهكذا. لابد أن تردم الهوة بين حاجة سوق العمل وبين قدرات الناس. ما ألاحظه على حراك التوظيف الجديد أن مفهوم التوظيف مازال عند التوظيف الحكومي. عندما تعود إلى مفهوم التوظيف الحكومي ستجد أن أصله التزام الحكومة بتوظيف خلق الله وإطعامهم حسب المبدأ الاشتراكي الذي ساد في الستينات. ما سمي بعد ذلك بالبطالة المقنعة. الوظيفة الواحدة يشغلها عشرة. واحد يشتغل والتسعة الآخرون يقاطعونه ويؤخرونه ويفسدون معنوياته. كنت أتوقع مع (غضبة) وزارة العمل التوظيفية وزئيرها على التجار أن تتحول المملكة إلى ورشة تدريبية. أن تصبح محجة معاهد التدريب العالمي. أن تقدم الجامعات برامج تدريبية أو تتوسع في الموجود. أن تتبنى البنوك برامج الإقراض التدريبي. وتأخذ الدولة بفكرة الابتعاث للتدريب وليس للدراسة الأكاديمية فقط. من العدل أن تفرض على قطاعات الأعمال المساهمة في التدريب ولكن ليس من العدل أن تفرض عليهم توظيف بشر لا يملكون من المواهب سوى بطاقات أحوالهم أو شهادات مصدرها كتاتيب تجلس على مقاعد عصرية. التدريب لا يعمل على تزويد الناس بالمهارات المطلوبة في العمل وإنما يقدم للمتدرب شيئين مهمين. الأول محبة المهنة وبالتالي الولاء لها والثاني إزالة المفهوم الاشتراكي للعمل من ذهن الناس. لم يعد العمل أكل عيش وإنما أصبح إنتاجاً وتحقيقاً للذات والمشاركة في بناء هذا العالم الذي يحيط بك. يصبح الإنسان فخوراً بنفسه. عندما يكون ميكانيكي سيارات على سبيل المثال يشعر أن هذا العالم يتحرك بوجوده وفضله. وعندما يكون كهربائياً سيكون له كلمة في رفاهية الناس وسلامتهم. الموظف الصغير يتحول إلى فيلسوف إذا أحاط بعمله واكتسب مهارته. سيكون له كلمة محترمة في المجالس. الذي يجعل الناس تنفر في الماضي مع بعض الوظائف عدم قدرتهم على إشغالها. توظيف الإنسان بقوة القانون تجعله عالة على نفسه وعلى من يوظفه. يجب أن يعد الإنسان السعودي لكي يعمل في السعودية أو في اليابان أو في الهند. المهارة بضاعة عالمية. وإذا لم يكن السعودي مقبولا في سوق العمل الدولي فمن الضرر على الاقتصاد الوطني أن يفرض بالقوة على السوق المحلي وسنبقى دولة ريعية إلى الأبد. نقلا عن الرياض
مشاركة :