الجزائر- تشهد مدن جنوب الجزائر احتجاجات اجتماعية منذ نهاية الأسبوع الماضي. واندلعت الثلاثاء في بلدة جانت بمحافظة إليزي، في أقصى الجنوب الشرقي للبلاد، احتجاجات شعبية تنديدا بالانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، في ذروة الطقس الحار الذي يضرب البلاد خلال الأسبوعين الأخيرين، حيث فاقت سقف الخمسين درجة مئوية في الظل. وطالب العشرات من الشباب في البلدة بتوفير الطاقة الكهربائية بشكل دائم ومنتظم للسكان، وعبروا عن ذلك بالتجمهر في وسط البلدة أمام مقار الهيئات الحكومية، وإضرام النيران في الأطر المطاطية والعجلات، ورفعوا شعارات لمعالجة المشكلة التي باتت تؤرق حياة السكان لا سيما خلال فصل الصيف. وجاءت الاحتجاجات المذكورة، في سياق سلسلة من الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية اندلعت نهاية الأسبوع الماضي، حيث شهدت كل من مدينة بشار في أقصى الجنوب الغربي للبلاد، وضاحية درارية بأعالي العاصمة، احتجاجات مماثلة على الانقطاعات المتكررة للكهرباء والماء. الطبقة السياسية تنظر بعين الترقب والحذر للخيار الحكومي المذكور، بسبب ما اعتبره حزب العمال اليساري وجبهة القوى الاشتراكية المعارضين، “تهديدا صريحا للطبقات الاجتماعية الوسطى والمعوزة وأفضت تلك الاحتجاجات إلى استقطاب حاد بين الإدارة الوصية وبين المنتخبين المحليين في المنطقة، إذ هددوا بالاستقالة الجماعية من المجالس المنتخبة (الولاية والبلديات)، بسبب تعنت وعدم تعاون المسؤولين المحليين معهم، في التعاطي مع الانشغالات اليومية للسكان. وأبان الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة في منطقة الجنوب، بحسب منظمات الأرصاد الجوية المحلية والعالمية، عن عجز مؤسسة (سونلغاز) الحكومية المحتكرة لإنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز، عن تلبية الحاجيات الضرورية للسكان، ما يضطرها إلى القطع والتموين بالتناوب، ما يثير غضب السكان وأصحاب المتاجر والخدمات. ودفع هذا العجز وزارة الطاقة، إلى دعوة الجزائريين في حملات تحسيسية إلى ما أسمته بـ”الاستهلاك العقلاني وعدم تبذير الطاقة”، واستغلال الإمكانيات المتاحة لدى الشركة المنتجة، من أجل الحفاظ على استقرار الشارع، وتفادي التوترات التي توظف في التجاذبات السياسية. وكانت الحكومة الجزائرية، قد شرعت في توزيع حصة تتكون من 50 ألف وحدة سكنية من مختلف الصيغ المطبقة (المدعومة كليا أو جزئيا من خزينة الدولة) بمناسبة عيد الاستقلال الوطني الذي يصادف الخامس من يوليو، في خطوة لتهدئة تململ الجبهة الاجتماعية، وتمهيد الشارع الجزائري للقبول بأجندة السلطة المتصلة بالانتخابات الرئاسية المنتظرة في ربيع العام القادم. ومع ذلك وجدت الحكومة نفسها في حالة ارتباك حقيقي، تجلى في تضارب التصريحات بين رئيس الوزراء ووزير المالية، بشأن خطوتها المنتظرة بتحرير الأسعار ورفع الدعم عن المواد الغذائية والطاقوية كالخبز والحليب والوقود والكهرباء وحتى المياه، وهي الخطوة التي تنطوي على مخاطر تفجير الوضع الاجتماعي في البلاد. وسبق لوزير المالية عبدالرحمن راوية، أن كشف عن “شروع الحكومة في رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية والطاقية بداية من العام القادم، ومراجعة صيغ الدعم الحكومي للفئات الاجتماعية، بدعوى أن البيانات تؤكد استفادة الفئات الميسورة من الدعم المذكور، ضعف ما تستفيد منه الفئات الهشة”. الاحتجاجات أفضت إلى استقطاب حاد بين الإدارة الوصية وبين المنتخبين المحليين في المنطقة، إذ هددوا بالاستقالة الجماعية من المجالس المنتخبة وهو ما رد عليه رئيس الوزراء أحمد أويحيى، وحتى بالقول “الحكومة لا تتسرع في مثل هذه الخطوة، وهي بصدد القيام بدراسات معمقة وإحصاء البيانات الاجتماعية بدقة، لتحديد سقف وطريقة الدعم الذي ستستفيد منه العائلات، وهو ما يعني أن العملية ستتم بالتدرج ولا يمكن أن تبدأ من العام القادم”. وأضاف “إذا كان هناك ضرورة لإعادة النظر في آليات الدعم الحالية، فإنه لا يكون ذلك بصفة متسرعة ولن تطبق بطريقة آلية وعشوائية، وأن السلطات العمومية تولي أهمية للحفاظ على القدرة الشرائية للفئات الاجتماعية الأكثر حرمانا”. ويرى متابعون للشأن الجزائري، أن “تصريحات وزير المالية جاءت من شخصية تكنوقراطية، أما تصريحات رئيس الوزراء فهي تحمل تطمينات للجبهة الاجتماعية، لتهيئتها للاستحقاق السياسي المقبل، وتنم عن مخاوف من المجازفة، لا سيما في ظل مخاوف الفوضى التي قد تفرزها الخارطة الاجتماعية الجديدة، بسبب البيروقراطية واستشراء الفساد والمحسوبية”. ويضيف هؤلاء، بأن السلطة في البلاد، باتت بين مطرقة موروث الدولة الاجتماعية، وبين ضغوط الهيئات المالية العالمية، الداعية إلى رفع التحويلات الاجتماعية، بعدما بلغت سقفا غير مقبول في التحليل الاقتصادي. وهو ما أكده وزير المالية في تصريحاته الأخيرة، بأن الدعم بلغ في السنوات الأخيرة خمس الناتج الداخلي الخام، وقدر خلال موازنة العام الجاري بنحو 17 مليار دولار، رغم شح الموارد المالية للبلاد بسبب تراجع أسعار النفط منذ العام 2014. وتنظر الطبقة السياسية في البلاد، بعين الترقب والحذر للخيار الحكومي المذكور، بسبب ما اعتبره حزب العمال اليساري وجبهة القوى الاشتراكية المعارضين، “تهديدا صريحا للطبقات الاجتماعية الوسطى والمعوزة، ويدفع بالبلاد إلى الفوضى وعدم الاستقرار”.
مشاركة :