الجزائر- فجر إجهاض ناشطين وشبان في مدينة ورقلة الجنوبية، لحفل موسيقي كان مبرمجا في احدى صالات المدينة، جدلا في الجزائر حول حقيقة الأوضاع الاجتماعية في المنطقة، خاصة في ظل الحرارة القياسية التي تضرب جنوب البلاد خلال هذا الشهر، مقابل غياب الإجراءات الحكومية لصالحهم خاصة فيما يتعلق بالتزويد بالكهرباء والماء والخدمات. ورغم السجال الأيديولوجي الذي خيم على الوضع في المدينة بعد لجوء الناشطين إلى أداء صلاة العشاء في الساحة العمومية قبالة الصالة التي كانت تنتظر إحياء الحفل الموسيقي، حيث وجهت دوائر سياسية وإعلامية أصابع الاتهام لهؤلاء بالولاء للمشروع “الظلامي المتطرف”، إلا أن مطالبهم الاجتماعية كانت واضحة وهي حاجتهم إلى تحسين الخدمات وتوفير مواطن الشغل، وليس إلى الموسيقى. وأثار منشور مالكة صحيفة الفجر الناطقة باللغة العربية حدة حزام، حول ما أسمته “السلوك الذي ينذر بالعودة إلى العشرية الحمراء والولاء للمشروع الظلامي والتطرف “، ردود فعل قوية نددت بما وصفته بـ”الوصاية الممارسة على سكان الجنوب، وتجاهل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، رغم أن نفط الصحراء هو الذي يعيل خزينة البلاد بأكثر من 95 بالمئة”. وجاء إلغاء الحفل الموسيقي بدعوى تخصيص نفقاته للتنمية المحلية ولتحسين الخدمات، لينضاف إلى سلسلة من الاحتجاجات المنتشرة في بلدات ومحافظات الجنوب منذ العام 2013 وكان آخرها لجوء بعض الشبان الأسبوع الماضي إلى التعبير الدرامي عن أوضاعهم، بجرح أجسادهم من أجل إثارة اهتمام السلطات المحلية والمركزية حول استشراء البطالة والمحاباة. ويرى مراقبون في الجزائر أن رهان السلطات المركزية على نفوذ ما يعرف بـ”الأعيان والنبلاء” في تعبئة وتوجيه الشارع الصحراوي، فقد صلاحيته مع ميلاد جيل جديد من النشطاء الشبان الذين أحدثوا تحولا في المفاهيم النمطية عن سكون وقناعة سكان الجنوب. ويرى هؤلاء أن الشباب الصاعد بصدد إعلاء سقف المطالب والتعبير عن انشغالات وطموحات السكان، في إرساء عدالة اجتماعية وتوازن جهوي بين جميع الفئات والمناطق. وكان الناشط السياسي عبدالرحمن هنانو، ورئيس حزب الجزائر من أجل العدالة والبناء (قيد التأسيس)، قد دعا في تصريح لـ”العرب”، الحكومة المركزية والسلطة القائمة إلى قراءة جديدة للتحولات الاجتماعية والاستماع الجيد لنبض الشارع الصحراوي، لأن القنوات التقليدية (الأعيان) لم تعد مجدية وناجعة في التعبير عن اهتمامات وانشغالات السكان، بسبب الهوة الآخذة في الاتساع بينها وبينهم. عدد من شبان الجنوب يقومون بجرح أجسادهم من أجل إثارة اهتمام السلطات المحلية والمركزية حول استشراء البطالة والمحاباة ويعتبر حزب الجزائر من أجل العدالة والبناء، مسألة مراجعة حواضر البلاد من صلب اهتماماته، حيث ينادي بنقل العاصمة السياسية إلى محافظة الأغواط (جنوب)، ويشدد على تحويل محافظة تمنراست الحدودية إلى عاصمة اقتصادية، لاحتواء النشاط الاقتصادي والتجاري في الشريط الحدودي الجنوبي، وبعث حياة مدنية نشيطة في المنطقة لضمان الاستقرار السياسي والأمني في الجهة، لأنه يعتبر أن اليقظة الأمنية والعسكرية في حاجة إلى نهضة اقتصادية لاحتواء المخاطر القائمة في المنطقة. ولم يتمكن نواب المحافظات الجنوبية والأعيان الفاعلون في المؤسسات الحكومية المحلية، من احتواء الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة في المنطقة، ولم يقدروا على نقل مطالب وصوت السكان إلى الحكومة والسلطات المركزية في العاصمة، خاصة فيما يتعلق بتحسين خدمات الصحة والكهرباء والتشغيل والنقل الجوي والمياه.. وغيرها، وهي المطالب الأساسية في حراك سكان الجنوب. وحذر مختصون اجتماعيون من تنامي أصوات التعالي والتمييز الوارد في الخطاب الإعلامي، باعتباره يساهم في تغذية أزمة اجتماعية في البلاد، ويعمق الهوة بين الجنوب والشمال، ما يهدد وحدة وتماسك النسيج الاجتماعي في البلاد. واعترض عدد من المحتجين موكب وفد حكومي انتقل إلى محافظة الجلفة (300 كلم جنوبي العاصمة)، للقيام بواجب العزاء لعائلة العقيد والوزير والمناضل التاريخي في ثورة التحرير أحمد بن شريف. واستهجن هؤلاء السلوك التمييزي للسلطات المركزية وغيابها الرمزي عن جنازة الراحل، رغم رصيده الثري أثناء الثورة وخلال الاستقلال، واعتبروا تأخر الحكومة بأربعة أيام كاملة في تقديم العزاء تهميشا وتمييزا ضد الرجل ومن ورائه منطقة أولاد نايل بأكملها. وكان مشروع التنقيب واستغلال الغاز الصخري في الجنوب، الذي أعلنت عنه في 2013 شركة سوناطراك المملوكة للدولة، أول ما فجر الحراك الاحتجاجي في المنطقة، وأطلق جيلا جديدا من الناشطين والجمعيات الأهلية، كما هو الشأن بالنسبة للجنة الدفاع عن العاطلين عن العمل، التي تبنت مطالب رفض المشروع، وأولوية سكان الجنوب في فرص التشغيل بالشركات النفطية، وتوفير التزويد بالكهرباء والماء والعلاج.
مشاركة :