البطانة الصالحة!

  • 7/12/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عبر التاريخ ومن أسس الحكم القوي ان يحيط بقادة الدولة رجال ذوو حكمة ومشورة وسداد رأي، ولا يتأتى ذلك إلا حين يكون هؤلاء ذوي ثقافة ومعرفة واسعة بما يدور في الزمن الراهن من تحديات ومخاطر، وبما دار في الماضي القريب والبعيد من أحداث تم استخلاص دروس مهمة منها! هذه العناصر التي تشكل عين العلم والحكمة والاستشارة، كما يفترض، هي من نطلق عليهم البطانة، فإذا كانت (البطانة صالحة) صلح أمر الحكم كله، وكانوا عينا نزيهة للاطلالة على هموم وقضايا الوطن والشعب، وإلا كانت هي (البطانة الطالحة) التي ترفع الرؤى المغلوطة، وتشير بالمشورات التي تعقّد العلاقة بين الحاكم وشعبه! وتكتفي بأن تضمن مصالحها الفردية او الفئوية، بتكريس لغة المداهنة والتبجيل لضمان مكانها في السلطة، وتعمل على محاربة من تشمّ فيهم رائحة الإخلاص والصدق لتشوّه صورتهم في عين بيت الحكم! ‭{‬ أكثر من مرة يقول لي أحدهم: (إن أعداءك كثر)! وأرد: (ولكن ضميري مرتاح)! وأعداء الصدق والحقيقة من المستفيدين من أوضاع معينة هم الكثر! وبالتالي من يضعهم أمام مرآة الحقيقة فلا بد من معاداته، وهو أمر مفهوم! في هذه الزاوية الصغيرة نطرح هذه القضية التي ستزيد من الاعداء المتربصين بالحقيقة وهي قضية (البطانة)، فإن كانت (صالحة) تدفع الوطن إلى الارتقاء، وإن كانت (طالحة) تسهم في تعقيد المشاكل واعاقة نمو الوطن وإعاقة وضع الاعتبار لمواطنيه كما قلنا! ‭{‬ (البطانة) أيضا لا تعني فئة واحدة، وإنما هي متوزعة على كل فئات صنع القرار في الواقع أو الاسهام فيه، فإلى جانب الوجوه التي تحيط بالقيادات في أي بلد، هناك الوزراء والمستشارون والمديرون المتنفذون وحتى أعضاء الشورى المعينون وأصحاب الرأي المؤثرون.. الخ. هؤلاء جميعا لا بد أن يكون وضعهم يدخل في إطار (الرجل المناسب في المكان المناسب)، والرجل هنا يختزل معنى الانسان رجلا كان أو امرأة وأن يكونوا أمناء وصادقين! ولهؤلاء جميعا مكانة تقديم المشورة الصحيحة والرؤى، وبعضهم يضيف إلى ذلك من المهام مهمة (التنفيذ) بالطبع كالوزراء والتنفيذيين، ولا يصلح حال أي حكم تكون بطانته (فاسدة أو مترهلة أو غير متخصصة أو غير ذات حكمة أو غير مخلصة أو غير صادقة)، حتى وإن كان لدى القيادة العليا مشروع مستقبلي رائد! قد يجيد بعضهم من الوزراء عمله، ويتفانى باخلاص في تقديم المشورة الصالحة وفي تنفيذ عمله، ولكن قد يكون غيره لا يعمل إلا لمصالحه الخاصة واضعا مصالح البلد التي هي مصالح الدولة والنظام والمواطنين في آخر سلم أولوياته! أي يضعها بعد مصالحه الخاصة! و(من هنا ينبع الفساد وينبع الترهل وهدر المال العام) في الوقت الذي يصوّر نفسه ووزارته لدى القيادة العليا أنه يبذل كامل جهده لخدمة البلد ومصلحة المواطنين! ينطبق ذلك على (المستشارين) أيضا وعلى أصحاب المناصب ذات التأثير في القرار وفي الرؤية وفي التنفيذ والذين يكتفي بعضهم أو الكثير منهم بالحصول على امتيازات المنصب بدون تقديم ما يجيز تلك الامتيازات! ‭{‬ إن اختيار (البطانة) هو أصعب ما يواجه أي حكم او أي قيادة! لا ينفع فيها ومعها قدرات التزلف لدى البعض ولا أساليب التقرب لدى البعض الآخر، مثلما تفسدها لعبة الوساطات او القرابات او أحابيل أصحاب الوجوه المتعددة أو المحسوبيات! أما وجوه الخيانات السابقة والمعروفة (إن تم تقريبها) فتلك مشكلة حقيقية! حتى وإن كان التقريب بهدف الاحتواء، فالخيانة تسري في العروق ما دام صاحبها فكّر فيها أو نفذها على أرض الواقع! وهؤلاء يلبسون وجوههم الجديدة كما يلبسون أحذيتهم! ‭{‬ حين نرى تعقيد المشاكل او صناعتها بسبب قرارات من هؤلاء ندرك ان هناك (خللا) في هذه البطانة سواء في تقديم المشورة او في صنع القرار أو في المساهمة فيه تنفيذاً! لو كانت هذه البطانة المتعددة الوجوه والمناصب تعمل على قلب رجل واحد لصلح حال هذا البلد الصغير منذ زمن طويل، ولكن من المؤكد أن (الصالح منهم ضائع) إن زاد الماء على الطحين! ومن المفترض ان أحد أهم أركان صلاح الحكم والدولة في أي بلد هو صلاح البطانة... فهل حظينا بها؟!

مشاركة :