كشف تقرير معلوماتي حديث، تفاصيل جديدة عن الأسباب التي دعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب "العدالة و التنمية (الحاكم)" للانقلاب على حليفه السابق، فتح الله جولن، وهو الأمر الذي يمثل المحور الحقيقي للأزمة التي تمر بها البلاد منذ سنوات. واستعرض الباحث المصري صابر المشرفي (في تقرير نشره موقع: نسمات)، العلاقة بين فتح الله جولن، الذي ظل يوصف لسنوات بـ"الرجل الكبير" نظرًا لدعمه حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، منذ بدايتها، وصولًا إلى أسباب الشقاق الذي تحول لاحقًا إلى عداء علني بين الطرفين. وقال التقرير: "كان الوضع في تركيا قبل حزب العدالة والتنمية -وخاصة في أواخر التسعينات- في غاية التدهور والسيولة المجتمعية والسياسية، وفي ذلك الوقت فكر مجموعة من شباب حزب أربكان (على رأسهم أردوغان وعبد الله جولن)، بالانفصال عن الحزب أربكان ذي التوجهات الإسلامية، وتكوين حزب مستقل أطلقوا عليه حزب "العدالة والتنمية"، وفق مبادئ اليمين الوسطي المحافظ، على غرار عدنان مندريس وتورجوت أوزال وسليمان ديمريل، يتبنى القيم الديمقراطية الليبرالية القومية التي تتوافق مع مرجعية الشعب ذي الأغلبية المسلمة". وحسب الباحث: "تراجع هؤلاء السياسيون عن الخطاب الراديكالي ذي الصوت العالي الذي كان يتبناه حزب أربكان الأم، والذي كان يجهر بمحاربة العلمانية والنيل من (مصطفى كمال أتاتورك)، وتسييس الرموز الدينية كالحجاب والمسجد والصلاة، كما غابت قضايا الإسلاميين السياسيين عن الواجهة، كمحاكاة النموذج الإيراني في الثورة، واستعادة قوة العثمانيين وأراضيهم المفقودة ومناصرة القدس، والدفاع عن الأقليات الإسلامية في كل مكان، والعملة الإسلامية الموحدة وغيرها من الشعارات التي كانوا يرددونها مع أربكان سابقا، وصدروا للناس خطابًا ائتلافيًا جامعًا، يتسم بالمعقولية والهدوء، ومن ثم انحازت لهم كل أصوات المحافظين التي كانت متوزعة في الأحزاب الأخرى". وكان من أهم الوعود التي أطلقها الحزب الجديد، الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، والعمل على تعديل الدستور الذي أُعد في الثمانينات إلى دستور مدني يوسع من الحريات، والسعي إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتحقيق تطلعات الشعب التركي، وتحسين العلاقات مع كل دول الجوار وتصفير كل المشكلات، وإصلاح البنية التحتية وإنشاء الطرق والمطارات وزيادة الرواتب والمعاشات، والأهم من ذلك كله السماح للمحجبات بالعمل في مؤسسات الدولة، والدراسة في الجامعات والمدارس وتوسيع نطاق الحريات الدينية، ومجالات العمل المدني. ويشير التقرير إلى أنه "بسبب من هذه الوعود المعلنة، لاقى الحزب دعمًا من كل طبقات المجتمع، خاصة وأن لغة الخطاب باتت تتسم بالروح التوافقية، والبعد عن اللغة الاستفزازية التي تستدعي النزاع والخصومة وتوسع هوة الاستقطاب المجتمعي، ونظرًا لأن أغلب هذه القيم هي عينها التي تنادي بها حركة الخدمة، فكانت إلى جانب هذا الحزب الوليد، شأنها في ذلك شأن فئات اجتماعية أخرى". ويضيف: "لم يخيب هذا الحزب الوليد ظن داعميه في سنواته الأولى، فضم إلى حكومته وزراء من جميع التيارات، وسعى بجدية إلى إصلاح البنية التحتية وتوسيعها، وإنشاء الجديد منها سواء أكانت طرقًا أم مطارات، وحل مشكلات المياه والكهرباء والغاز في كثير من المدن الكبرى، وأوصل الفحم إلى بيوت الفلاحين في القرى البعيدة والنائية للتدفئة، وهي من أهم المشكلات التي كان يعاني منها المواطن التركي، وقدم الدعم للمزارعين من خلال قروض طويلة الأجل، مما عمل على تحسين القطاع الزراعي وزيادة إنتاجيته وعودته بالفائدة والربح على المزارعين". وتابع التقرير: "كما أسهمت حركات المجتمع المدني -وعلى رأسها حركة الخدمة التي وجدت مناخًا ديمقراطيًا إيجابيًا- في دعم المجالات التعليمية والصحية والاستثمارية، وسارع التجار المنتسبون لهذه الحركات في جذب فرص الاستثمار إلى بلادهم، ودعم اقتصاد البلاد بكل ما يوفر لهذه الحكومة البقاء والاستقرار، إيمانًا منهم بأنها تعمل لصالح البلاد". واستفاد الحزب أيضًا من الآلة الإعلامية الضخمة التي كانت تملكها حركة الخدمة في دعم هذه المشاريع الإصلاحية، والدفاع عن الحكومة في وجه من يعملون على عرقلتها عبر آلة الدعاية السوداء المضادة، وباتت الخبرات البيروقراطية، والكوادر الوظيفية المهنية التي اقتنعت بمصداقية هذا التوجه، تعمل على تقديم النصح والاستشارات الإيجابية التي تعين هذه الحكومة على تجاوز أزماتها، وفق ما ذكر التقرير. ويذكر التقرير أنه "كان يُنتظر بعد كل ذلك مضي تركيا قدمًا نحو مصاف الدول المتقدمة في العالم، وترسيخ دولة الحقوق والقانون وتأسيس العدالة بين أفراد المجتمع، والتخلص من القيود المفروضة على الشعب التركي منذ ما يقرب من مائتي عام، والعمل على تشريع قوانين تضمن حرية الرأي والتعبير، وتسمح للأحزاب المعارضة وحركات المجتمع المدني بالعمل السياسي والاجتماعي بحرية. لكن بدلًا من ذلك كله سيطرت على الحزب عامة وأردوغان خاصة، فكرة السيطرة على أجهزة الدولة بالكامل، بتأييد من فئة معينة من المجتمع وجهودها الساعية لتصفية معارضيها". وبوصف التقرير، فقد أعادت هذه السياسة التسلطية للأذهان السياسة التي كان يمارسها الاتحاديون في أواخر الدولة العثمانية، مما ممكنهم من التدخل في كل المجالات الدينية بكل سهولة ويسر"، موضحًا أن من بين "ما ساعد على تغول السلطة أكثر اكتشافها لقوة المال، فعملوا على جمع كثير منه عبر عمليات فساد مشبوهة في الأراضي، ومناقصات المشاريع الكبرى، وغسيل أموال إيران أثناء الحصار الاقتصادي، وشراء النفط المهرب من داعش وإقليم كردستان". وأضاف التقرير: "بهذا المال الذي جمعوه تملكوا معظم مجموعات وسائل الإعلام الكبرى التي كانت تابعة لمعارضيهم، وأغلقوا أخرى لم يستطيعوا تملكها، وصار الإعلام التركي الذي كان يتسم بالتنوع والتعدد لا يعبر إلا عن صوت واحد فقط، هو الصوت الحكومي، ولا سيَّما أردوغان وأسرته وحاشيته المقربة".
مشاركة :