كشفت معلومات بحثية موثقة حجم الأموال التي تدفقت من طهران لتحقيق التوسع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، مشيرة إلى تعويل نظام الملالي على نظام بشار الأسد لبلوغ أهداف. وقالت المعلومات إن تلك الأموال وصلت إلى 35 مليار دولار في الفترة ما بين 2011 حتى الآن، دارت في معظمها حول خطابات ائتمان، تحتكر بموجبها شركات تابعة للحرس الثوري الإيراني مميزات استثمارية في سوريا. وجاءت المعلومات في سياق تقرير أعده مدير مؤسسة "كونكورد مينا" الدولية، وحملت في مضمونها أبعادًا سياسية وعسكرية للدولة الفارسية، مع إشارات صريحة إلى أن هناك ردود فعل غاضبه لدى الشعب الإيراني، الذي بات على يقين من استنزاف ثرواته على تطلعات سياسية دون تأمين للجبهة الداخلية، وهو ما أفضى -في نهاية المطاف- إلى الاحتجاجات، التي تشهدها الشوارع والميادين الإيرانية في الوقت الراهن. وتشير المعلومات الواردة في التقرير، إلى أن الإيرانيين باتوا يسيطرون عسكريًّا على سوريا، كما أضحوا ينفردون بالسيطرة بمنظور اقتصادي، ولعل الجهود الإيرانية الحثيثة في هذا الصدد، والتي بدأت مع اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، وزادت وتيرتها في عام 2013، ضمنت لهم حضورًا اقتصاديًّا مباشرًا حتى بعد أن تضع الحرب السورية أوزارها، ما يعني بحسب معطيات المخطط الإيراني، أن حكومة طهران لا تعتزم العزوف عن التدخل في تفاصيل المشهد السوري، حتى في إطار سيناريو ابتعاد بشار الأسد عن المشهد السياسي في بلاده. ومنذ 2011، أصبحت إيران أنبوب أكسجين الاقتصاد السوري المنهار، وحرصت طهران على تعزيز المرافق الاقتصادية في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، وذلك عبر تزويد تلك المناطق بالبضائع والوقود إلى جانب المساعدات العسكرية. وعلى سبيل المثال، أدارت حكومة طهران برنامج مساعداتها الاقتصادية لسوريا عن طريق خطوط ائتمان لصالح نظام الأسد، بلغت قيمتها في حينه مليار دولار سنويًّا. عندئذ أوضح الإيرانيون للنظام السوري، أن تلك المنح الائتمانية ستخصص لشراء ما تحتاجه سوريا من منتجات متنوعة شريطة شرائها من إيران. وفي المقابل، أعفى نظام الأسد الواردات الإيرانية من الرسوم الجمركية، وبذلك استطاعت البضائع الإيرانية ملء فراغ الفضاء السوري، الذي خلفته الحرب، لاسيما في أعقاب قطع العلاقات السورية مع تركيا. وإلى جانب تنامي ارتكان الاقتصاد السوري على التجارة مع إيران، سيطرت الدولة الفارسية على أسهم وأصول مؤسسات سورية ضخمة قبل تعرضها للخراب بفعل الحرب. في الوقت نفسه تضمنت اتفاقات الدعم العسكري الإيراني للنظام السوري خلال السنوات الأخيرة، لاسيما في عام 2017 عدة بنود، تمنح الإيرانيين المركز الأول في الاستثمارات، والهيمنة على الاستراتيجية على الدولة السورية، وهو ما يسمح للدولة الفارسية بالاحتفاظ بآلاف العملاء داخل حاشية الأسد، بالإضافة إلى عدد لا يقل عن ذلك من رجال الأعمال والمستشارين الاقتصاديين داخل سوريا. على سبيل المثال لا الحصر، أبرمت إيران مع سوريا اتفاقًا لتدشين ميناء بحري على الشواطئ السورية، لتصدير النفط الإيراني إلى أوروبا، بالإضافة إلى اتفاق آخر يمنح شركات إيرانية إعادة زراعة مساحات شاسعة من الأراضي السورية، واتفاق ثالث يمنح شركات إيرانية دون غيرها حق استغلال مصادر استخراج الفوسفات جنوب مدينة تدمر الأثرية السورية. وتشير معلومات التقرير إلى أن الشركات الإيرانية التي حصلت على تلك الامتيازات، وقعت على الاتفاقات بهويات وهمية، لاسيما أنها تتبع في الأساس ومن الباطن الحرس الثوري الإيراني مباشرة، وتلجأ المؤسسة الأمنية الإيرانية إلى تلك الحيلة هربًا من العقوبات الاقتصادية الدولة المفروضة على حكومة طهران. تلك المشروعات، إلى جانب بروتوكولات أخرى بين إيران ونظام الأسد، ألقت الضوء بقوة على استراتيجية نظام الملالي في دفاعه المستميت عن بشار الأسد؛ فالجهود العسكرية والاقتصادية التي استثمرتها إيران في سوريا، والتي بلغت حتى الآن فقط 35 مليار دولار، لم تُمنح مجانًا، وإنما بغرض فرض السيطرة والنفوذ التوسعي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى إدراج الإيرانيين أن تغطية نفقاتهم على النظام السوري مضمونة من عقود إعادة إعمار مرافق الدولة السورية بعد أن تضع الحرب أوزارها. على الرغم من ذلك، تأتي الرياح أحيانًا بما لا تشتهي سفن الإيرانيين داخل سوريا، فرغم الاتفاقات الاستثمارية المبرمة بين الجانبين، إلا أن بعضًا من رجال الأسد -ربما بتحريض شخصي منه– عرقلوا مناقصة حصلت عليها إيران لتدشين شركة اتصالات ثالثة للهواتف الجوالة في سوريا، رغم أن إحدى الشركات الإيرانية وقّعت عقدًا بهذا الخصوص مع السوريين. لم يمر التوقيع على مشروع تدشين ميناء بحري لتصدير النفط الإيراني عبر سوريا مرور الكرام، وإنما واجهة اعتراضات بالغة من روسيا، التي ترغب في احتكار النفوذ على منطقة شمال الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط، إلا أن الإيرانيين يصرون على تفعيل مشروعهم ولا يقبلون فيه بحلول وسط. ويزيد النفوذ الإيراني في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد وفي مقمتها العاصمة دمشق، فبداية من 2013، بحسب مدير مؤسسة كونكورد مينا الدولية، ارتدى جواسيس أجهزة الاستخبارات الإيرانية في دمشق ثوب رجال أعمال ومستثمرين، وسيطروا بأساليب عنيفة على آلاف العقارات في العاصمة السورية. وتفيد تسريبات أمنية إلى أن إيران والحرس الثوري على وجه الخصوص، ينفذ بتلك الخطوات خطة أطلق عليها "حماية الأماكن المقدسة للشيعة في دمشق"، وهو ما يغض نظام الأسد الطرف عن تفعيلها في مختلف المناطق بالعاصمة. وينقل التقرير عن دوائر في المعارضة الإيراني قولها: "اعتاد الجواسيس الإيرانيين إشعال المحال والمراكز التجارية في وسط العاصمة السورية بشكل ممنهج، لإقناع أصحابها بحتمية البيع"، بينما تفيد تقارير أخرى من داخل سوريا، أن رجال الأعمال الإيرانيين الذين يعملون بإمرة الحرس الثوري، ابتاعوا بالفعل الشركات الأم لسلاسل الفنادق الرئيسية في دمشق، بالإضافة إلى عقارات الأحياء الراقية بالعاصمة ذاتها. وتؤكد التقارير ذاتها أن الحكومة السورية تطرح على رجال أعمال إيرانيين دون غيرهم فرصة شراء تلك العقارات، لاسيما أن بعضها يتبع مواطنين هاجروا المدينة إلى خارج البلاد هربًا من ويلات الحرب. وتعتبر التقارير شراء الإيرانيين لعقارات العاصمة السورية يعد جزءًا من جهود أوسع لسياسة التغييرات الديموغرافية التي تنتهجها إيران في سوريا، بداية من اندلاع الحرب في 2011 وحتى الآن.
مشاركة :