الواقعية السحرية.. مناورة فنية أم هروب من الواقع؟

  • 7/16/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

اتجه كثير من الكتاب، لا سيما الشباب، للكتابة فى اتجاه رواية «الواقعية السحرية»، التى تعتمد بشكل كامل على تضفير الواقع بالأسطورة مع مراعاة العلل المنطقية فى الاشتباك مع الفانتازيا، وقبل أن يظهر ويتبلور الاتجاه فى شكل تيار متعارف عليه؛ فإن الكثيرين من كتاب العالم أسهموا بشكل أو بآخر فى كتابة تلك التقنية الرائعة، واستطاعت تلك التقنية أن تعيد تشكيل التجارب الذاتية للكتاب الشباب وتحديد علاقاتهم الحضارية والثقافية بتاريخهم، سواء المدون فى شكل تسجيل وقائع الشعوب والممالك والسلاطين أو علاقتهم بمنجزهم الأسطورى والقصصى القديم، واعتبر البعض أن إعادة التشكل هذه وتصدير الثقافات المحلية والمغمورة والتى تتميز بالعجائبية، لاقيا قبولا واسعا على مستوى الكتابة السردية لجيل الشباب، وأيضا على مستوى التلقي، فباتت تلك العوالم المتخيلة والفانتازيا العجيبة ملاذا آمنا وممتعا لكثير من القراء والمحبين لمطالعة العوالم الغريبة والخفية والتى تتميز بها شعوب دون أخرى.برز تيار «الواقعية السحرية» كاتجاه سردى خلال القرن العشرين، وبرع فيه أدباء أمريكا اللاتينية أمثال: جبريال جارثيا ماركيز، وماريو فرجاس يوسا، وخورخى لويس بورخيس، وغيرهم، وقد كانت جذوره موجودة فى كل الحضارات والثقافات المختلفة، وقد أذاع ذلك المصطلح الناقد الألمانى فرانز رو فى كتابه «ما بعد التعبيرية: الواقعية السحرية»، ورسخ لهذا المفهوم هؤلاء الأدباء الذين كتبوا الواقعية السحرية.واتجهت الكتابات السردية الجديدة ناحية الفانتازيا والواقعية السحرية كى تخلق عوالم كثيرة وفضفاضة بعيدة عن ذلك الواقع المعيش لخلق صورة مغايرة يرسمها المؤلف لبيئته وعالمه، ومن خلال تلك الكتابات الغرائبية يستطيع الكاتب أن يحدد علاقاته بذلك العالم الذى وجد فيه دون أن يعرف ما هى قنوات التواصل معه الحقيقية، فصنعت لديه حالة من الاغتراب نتجت عنه تلك الفانتازيا.فى العام ١٩٥٥، كتب الروائى المكسيكى خوان رولفو روايته الأشهر «بيدرو براموا»، والتى تدور حول رجل يعود إلى قرية ما بناء على وصية أمه التى تحتضر ليبحث عن أبيه، وهناك يختلط الرجل العائد بالقرية وأحداثها وغرائبها والموتى فيها، لنجد عالما ينبثق فى كل لحظة ومشهدا ينفتح على الحيرة والغموض بأكثر من طريقة ليناقش جدلية الموت والحياة لدى الإنسان، ولقد تناولها رولفو بطريقة مفككة وصعبة للغاية مرهقة للقارئ العادى لكنها تقف متحدية لتلك القراءات الطموحة، وكانت هذه الرواية من أهم الأعمال التى أثرت بشكل كبير فى بناء الرواية عند الأجيال اللاحقة وأيضا على تيار الواقعية السحرية.وإن كانت جذور العالم الغرائبى موجودة بقوة فى الثقافة العربية مع حكايات «ألف ليلة وليلة» الممتلئة بالعجائب والفانتازيا، وأيضا التفسيرات الأولية لظواهر معينة فى الثقافة العربية، والتى كانت تستند إلى مبررات غاية فى الخيال والابتعاد عن الواقع، مجددا، إن كانت الغرائب والأسطورة موجودة فى ثقافتنا العربية، وهى غذاء لكل الكتابات الحديثة، فإن الكتاب الجدد يحاولون خلقوا أسطورتهم الخاصة.ولقد شاع عن الروائى الكبير نجيب محفوظ كتابته لتيار الرواية الواقعية لكن المتأمل لكتابات محفوظ يجد أنه كتب الكثير من الأشكال والاتجاهات الأدبية، لقد عايش محفوظ فترات مهمة من تاريخ الوطن، وأيضا من تاريخ العالم، لقد ولد قبل اندلاع ثورة ١٩١٩، وشاهد أطفال المدارس يموجون فى زحامها، وصولا حتى العام ٢٠٠٦، فكان جديرا بذلك الروائى العظيم أن يعبر عن أفكاره بما يتناسب مع حالات العصر وما فرضته عليه الظروف، فكتب «ثرثرة فوق النيل» ليبرع فى كتابة العبث بعد مشاهد الحروب التى طالت البلاد، أيضا كتب محفوظ الواقعية السحرية، وتجلت كثيرا ليس فقط فى «ليالى ألف ليلة» التى اتكأت بشكل مباشر على إطار وصورة الحكاية فى الليالى العربية، بل ظهرت قوية فى قصصه القصيرة، ولا سيما قصة «السماء السابعة» وقصة «الغرفة رقم ١٣».وتتعرض «الواقعية السحرية» والفانتازيا لموجة من الجدل والنقاش المستمر، لتقف فى المنتصف بين من يعترض عليها ويجدها مأزقا فكريا لهؤلاء الكتاب الذين اتجهوا إليها، فهى تعكس بشكل مباشر تلك الحالة التى يعيشها كتاب العقود الأخيرة من الانفصال عن الواقع والاغتراب، وعدم قدرتهم على إنتاج الدهشة الأدبية من الواقع المعيش، وبين من يجدها اتجاها قادرا على النهوض بالحركة الثقافية وقدرته على تشكيل الوعى بتجارب حياتية مختلفة وعالم خيالى غير محدود، وقدرته العالية على إثارة القارئ وتحفيزه.فى النهاية، يمكننا القول إن الواقعية السحرية ظهرت بشكل كبير فى الكتابات الروائية الجديدة، معتمدة على جماليات الغموض والإثارة والعجائبية واستثمار الأسطورة بشكل ناجح وجديد.

مشاركة :