المرشح الرئاسي الأميركي عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب يحاول جاهداً إخفاء وجهات نظره الحقيقية في السياسة، لكنها تظهر من حين لآخر، ومن أمثلة ذلك مقابلة تلفزيونية أجريت معه الأحد الماضي، فقد انكشف كذبه بشأن ليبيا، واضطر للاعتراف بأنه ليس متشككاً بشأن التدخل العسكري الأميركي بالقدر الذي يروقه أن يشير إليه، وأظهر ترامب أن لديه معتقدات سحرية بشأن ما تستطيع القوة إنجازه. وفي فبراير الماضي، كشف صحفيون من موقع «بظفيد» عن تسجيل يعود إلى سبتمبر 2002، رد فيه ترامب على سؤال بشأن ما إذا كان قد أيد غزو العراق قائلاً: «نعم أعتقد هذا». وفي الوقت نفسه، كتب أندرو كاتشينسكي من موقع «بظفيد» أنه في يوم 28 فبراير 2011، في مقطع مصور، أيد ترامب بحماس التدخل العسكري الأميركي في ليبيا، بما في ذلك التدخل الأحادي. والمقطع التقط في مكتب ترامب ونشر على صفحته على يوتيوب، وفيه يزعم: «الآن يجب أن ندخل، وأن نتصدى لهذا الشخص، وهو أمر سيكون سهلاً وسريعاً للغاية، ويمكننا فعل هذا جراحياً. التصدي له وحماية هذه الأرواح». وكان ترامب قد أدلى بهذه التصريحات طوعاً، ففي عام 2011، لم يكن أحد يسأل ترامب عن آرائه في السياسة الخارجية. والمقطع الذي مدته دقيقتان سُجل قبل أكثر من ثلاثة أسابيع من بدء عملية التدخل التي قادتها الولايات المتحدة في ليبيا، والمقطع بكامله يشير إلى أن ترامب كان يدعو لتدخل أميركي واسع النطاق. وقال ترامب: «إننا نجلس بينما لدينا جنود في أنحاء الشرق الأوسط ولا نحركهم لوقف هذه المذبحة المروعة». ويوم الأحد الماضي تابعنا جون ديكرسون في برنامجه على تلفزيون «سي. بي. إس»، «واجه الأمة»، حين ترامب بهذا المقطع. وحاول ديكرسون مرتين أن يجعل ترامب يعترف أنه كان يؤيد التدخل قبل حدوثه رغم مزاعمه المعاكسة حالياً. وحاول ترامب طمس التناقض بمهارة، لكن في سعيه للوصول إلى خطاب معقول لم يستطع إخفاء وجهات نظره الحقيقية بشأن استخدام القوة العسكرية. وسأله ديكرسون: لكنك كنت من المؤيدين؟ فأجاب: كنت من مؤيدي التحرك، لكني لست من مؤيدي ما يحدث الآن، وقال ديكرسون: هذه أحد الأمور التي تربك بعض الناس بشأن مواقفك، قلت إنك لا تؤيد التدخل، لكنك أيدت التدخل في ليبيا! فرد ترامب: لا، لم أكن أمانع في تدخل جراحي. قلت جراحي. تقوم بعملية جراحية وتزيل شيئاً، لكني لست مؤيداً لما حدث. وانصب دفاع ترامب برمته على كلمة جراحي، وهو دفاع لا يصمد بحال من الأحوال. ومن الصواب أنه أيد مهمة «جراحية» في فبراير 2011. لكنه أيد أيضاً إرسال جنود أميركيين لوقف «المذبحة المروعة» و«حماية حياة» المدنيين الليبيين، وهي مهمة عسكرية يستحيل القيام بها «جراحياً»، ويدعو ترامب إلى استخدام قوة عسكرية جراحية لتحقيق الهدف النهائي، وهو وقف «مذبحة مروعة»! وهذه رؤية بعيدة الاحتمال تتوافق مع موقفه الحالي بشأن سوريا حيث يؤيد إقامة «منطقة آمنة كبيرة وجميلة» وفي الوقت نفسه يؤيد قصف وسرقة النفط في العراق وسوريا ونشر عدد غير محدد من القوات البرية الأميركية لطرد «داعش»، ولم يوضح ترامب قط أي نوع من سوريا يود رؤيتها أو الاستراتيجية العسكرية السياسية التي تحقق هذا. وهو يشير إلى أنه يفضل إبقاء هذه التفاصيل سراً خشية أن تصل إلى «داعش»، لكن من الأرجح أنها غير موجودة ببساطة. الاستثنائي عند ترامب ليس أن خطابه بشأن سياسة العزلة تصاحبه طائفة من المواقف في السياسة الخارجية التي قد تتطلب تدخلات عسكرية أميركية مكثفة، بل المقلق هو أنه غير قادر على إدراك وجود بعض التناقض بين الموقفين، ويعتقد ترامب أن الجيش يستطيع القيام «بعمل جراحي» ضد زعيم دولة أجنبية والنجاح في هذا بسهولة والسيطرة على مجريات الأمن والسياسة لهذه الأمة الأجنبية، كي لا تشكل أي تهديد للأمن القومي الأميركي! وتعلم الأميركيون للأسف مرات عدة أن مثل هذه المعتقدات حول استخدام القوة وهمية، والواقع أن كل رئيس منذ رونالد ريجان حاول أن يكتشف وصفة لاستخدام قوة عسكرية محدودة لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية توسعية، لكن أيا منهم لم ينجح، لكن لا بأس أن نزعم أن الفائز بالانتخابات القادمة، سواء أكان ترامب أم هيلاري، سيحاول اتباع استراتيجيات عسكرية ستفشل بالطريقة نفسها. *زميل بارز في «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
مشاركة :