هل يوجد «هايكو» عربي؟

  • 7/17/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود يعد «الهايكو» أحد الأشكال الشعرية التي وجدت انتشاراً وقبولاً في الساحة الشعرية العربية، ولم يكن مجرد موضة أو غيمة عابرة، بل كان ذا حضور واضح لحد تأسيس هايكو عربي، وجاء كتعبير واقتراح جمالي جديد يضاف إلى الشعر العربي، ولكنه يسعى إلى التحرر من الأشكال والمواضيع القديمة.بحث الشعراء العرب دوماً عن آفاق وأساليب شعرية جديدة ومغايرة في أساليبها ومواضيعها وصياغاتها وموسيقاها، فكانت قصيدة التفعيلة ثم قصيدة النثر، واليوم ظهرت قصيدة الومضة أو الهايكو، المكثفة والموجزة، والتي وجدت رفضا من بعض النقاد، معتبرين أنها نوع شعري خاص بالبيئة والحضارة اليابانية، حيث إنه غارق في تناول الطبيعة، ويعتمد على الالتقاط السريع كما هو الحال في «رحلة ماتسوو باشو»، وهو شاعر ياباني يعتبر معلم الهايكو الأكبر.«الخليج» استطلعت آراء بعض الشعراء حول قصيدة «الهايكو»، ولماذا وجد هذا الترحيب إماراتياً وعربياً؟، وهل هنالك بالفعل هايكو عربي؟، وهل من الضروري أن نطلق على الشعرية القصيرة صفة الهايكو؟.الشاعرة حمدة خميس تشير إلى أنها تستمتع بالقصائد القصيرة التي تقود إلى المعنى مباشرة، وتحفل بالصور والتكثيف والرمز، غير أنها ترى أن وما وصلنا من ترجمات ربما أضاع الكثير من معاني الهايكو، خاصة أنه نص له خصوصيته النابعة من عمق الحضارة اليابانية، لذلك تأتي مقاطعه الشعرية محتشدة بالمضامين الفلسفية والفكرية، وعلى الرغم من أن المعنى في النص الشعري لا يرتبط عادة بطوله أو قصره، فإن الومضات تجنب مسألة الاستفاضة الشعرية واللغوية، بالتالي فإن هذا الضرب الشعري يتميز بالإيجاز، وإيصال فكرة الشاعر والنص بصورة مباشر.توضح خميس أن القصائد القصيرة غالبا ما تأتي بشكل عفوي، وهي بهذه الصفة تجنب من مسألة التنقيح والصنعة، حيث إنها خاطرة تومض في الذهن، وهذا ما يتوفر في قصيدة الهايكو، بالتالي فإن الاحتفاء العربي بها مبرر جدا، ولا بد من فتح المجال للتجريب الذي من شأنه أن يطور الشعر والذائقة ويقود إلى أفكار جديدة.فيما يرى الشاعر أحمد المطروشي أن العصر الحالي هو عصر الاختلاف، فقد تمسك العرب ردحاً من الزمان بالقصيدة الكلاسيكية، إلى أن جاءت قصيدة التفعيلة ومن ثم النثر، واللتان وجدتا معارضة، وعدم قبول في بدايتهما، إلى أن أصبحا شكلين شعريين متداولين ولهما حضورهما القوي وجمهورهما العريض، وهكذا الحال بالنسبة لقصيدة الهايكو، حيث اكتشف الشعراء العرب الجمالية الكامنة في النص الشعري القصير والمكثف، والذي يحمل معنى واسعا أحيانا، أو يعبر عن فكرة أو خاطرة واحدة أحيانا أخرى.يؤكد المطروشي أن «الهايكو» قديم جدا، ولا علاقة له بعصر التحولات، ولكن تلك القصيدة القديمة تناسبت مع عصر السرعة الحالي، فالهايكو انتشر بفضل التكنولوجيا، والانفجار الكبير في وسائل التواصل الحديثة، فتم التعرف إليه عالميا، وبدأت حركة الترجمات للشعر الياباني.ويرى المطروشي أن من حق الشعراء العرب التأثر بقصيدة الهايكو، مثلما حدث مع شعر النثر الذي وجد مقاومة كبيرة، لكنه انتشر، حتى أن الكثير من الشعراء العرب، خاصة جيل الشباب، كتبوا النثر مباشرة دون المرور بالقصيدة العمودية، وهذا يمثل جانبا من البحث عن آفاق للشعر العربي، غير أن الهايكو لم يجد ذات المقاومة، فالنقد قد أعلن التراجع أمام روح التجريب التي طبعت العصر الحالي، ومرت قصيدة الهايكو بسهولة كبيرة، وذلك لوجود القابلية، حيث إن اللغة العربية مرنة وتستوعب كل جديد.وبحسب المطروشي فإن الهايكو صدر عن حضارة كبيرة، وجاء بكل الزخم الفلسفي والفكري، مخرجا هذا التفاعل الشعري الفريد الذي يعبر عن الطبيعة والصور الجمالية، بالتالي وجد فيه العرب أسلوبا يتوافق مع رؤاهم الجمالية والشعرية.وترى الشاعرة الهنوف محمد أن ثقافة العصر التي تميل إلى الاختزال والتكثيف، هي التي روجت لشعر الهايكو وسط الشباب العربي، والكثير من المتلقين والمتذوقين للشعر، خاصة عبر موقع «تويتر»، حيث عدد الحروف قليل، فيميل الشعراء المغردون إلى الجمل التي تحمل رمزا وتكثيفا، كما أن المتلقين صاروا يفضلون القصائد القصيرة.تشير محمد إلى أن قصائد الهايكو تتناسب مع ذائقتنا، فالعرب أصحاب طاقة شعرية كبيرة، ويمتلكون ذائقة متطورة ومتقبلة لكل الأساليب والأنماط الشعرية، لذلك انفتحوا على الهايكو، وعلى الرغم من أن العرب قد اشتهروا بالشعر العمودي، إلا أنهم قد انفتحوا على أنواع المدارس الشعرية المختلفة، بحثا عن التجديد.وتلاحظ محمد أن الإقبال العربي على الهايكو، ارتبط بمقدرته على رصد المشاهد الواقعية، وتحويلها إلى صور، واشتماله على الفلسفة والحكمة، وملامسته الواقع، وتكمن جمالياته في تلك الومضات الشعرية، التي تبرز رؤية الشاعر، وتوصل المعنى إلى المتلقي مباشرة.فيما يقود الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم الحديث في اتجاه معاكس، عندما يؤكد أن شعر الهايكو خاص باليابانيين، ويعكس أسلوبهم المستمد من واقعهم وبيئتهم، وفي الشعر العربي هناك شكل مماثل من القصائد القصيرة، التي تكمل فكرتها ومعناها في شطرين. وقال: «الهايكو يعني التكثيف والرمز، وقد عرفت العرب مثل هذا النوع من التكثيف، ولنا أن نُذكر بالمثل العربي الشهير: خير الكلام ما قل ودل. وما هو أهم من الهايكو عند العرب، تلك الأمثال القصيرة، التي تحمل الحكمة والفلسفة وهي مكثفة للغاية». يشير إبراهيم إلى أن دواوينه الشعرية تتضمن الكثير من القصائد القصيرة الحافلة بالتكثيف، لكنه يعتبرها نابعة من فكرة شعرية مختلفة، فالومضة والإيجاز من الأساليب الشعرية العربية.وحول تأثر الجمهور والشعراء العرب بالهايكو، يرى إبراهيم أن الفن بشكل عام، كوني الطابع، ولا يمكن احتكاره في زاوية من زوايا الأرض، ومن حق الشاعر أن يتأثر بالمدارس والأساليب الشعرية العالمية.ويضيف: «إن اليابانيين عندما اهتموا بالهايكو، أخلصوا له، وأبدعوا فيه، فذاع صيته، بينما العرب لم يسوقوا لمنتوجهم الإبداعي الشعري، وذلك لضعف الإعلام، رغم أن العرب يمتلكون إبداعيا ما هو أعظم من الهايكو من أشكال شعرية، وأمثال مقتضبة، وهذه الأشكال تتضمن كذلك رؤى فكرية وفلسفية».وتتفق الشاعرة لميس المرزوقي مع إبراهيم، في أن الهايكو مختلف عن الفكر والأسلوب العربي في الشعر، حيث نشأ وعبر عن بيئة وطبيعة مختلفتين، فهو ينقل الصورة الحسية، وقد برع اليابانيون في ذلك الأمر، إلا أن ما عرف بالهايكو العربي، جاء كنسخة مقلدة من التجربة اليابانية، وهناك اختلافات كبيرة في الأسلوب، وطرق التعبير، والبيئة، والسمات، وحتى وصف الطبيعة في الشعر العربي جاء متأخرا، وفي الشعر القديم كان جزءا من أغراض شعرية معينة.وترجع المرزوقي انتشار الهايكو عربيا إلى تمازج الحضارات، والانفتاح على الآخر، فالحضارة اليابانية ضاربة في القدم ومثيرة لحب الاستكشاف، والثقافة اليابانية مادة دسمة للتناول والغوص في بحورها.

مشاركة :