يوسف أبو لوز نقل الشاعر السوري المقيم في اليابان محمد عُضيمة ألف قصيدة وقصيدة من الهايكو، مباشرة إلى العربية، وربما لأن لا لغة وسيطة أو ثالثة هنا في هذه الترجمة بإمكانك أن تقرأ قصائد «الهايكو» هذه باطمئنان إلى اللغة، وإلى طبيعة «الهايكو» نفسه الذي يرتبط في الثقافة اليابانية بالفلسفة، وله نظام وزني بالغ الخصوصية حتى بين أشكال الشعر الياباني القديمة أو الحديثة.شعراء من الغرب ومن العرب جذبهم «الهايكو» إلى تقليده، فبتنا نقرأ «هايكو» عربياً، ولكن القارئ المحترف ل«الهايكو» الياباني حتى ولو كان لا يعرف أصوله الفكرية والفلسفية والوزنية يتسلل إليه شعور غامض بالشك تجاه هذا «الهايكو» العربي المفتعل تماماً كما يفتعل شاعر ياباني قصيدة موشّحات أندلسية أو معلّقة جاهلية.ولكن لنسأل أهل مكة، فهم أدرى بشعابها، فماذا يقول مترجم «الهايكو» محمد عُضيمة عن ظاهرة ذهاب عدد من الشعراء العرب إلى كتابة «هايكو» عربي؟ يقول: «يبدو لي أن «الهايكو»، على صعيد اللغة العربية، يشكّل إغراء للكتابة فقط لأنه نصّ قصير، ويوهم، من حيث الظاهر، أنه لا يحتاج إلى أية براعة لغوية». وفي مكان آخر يعتبر عُضيمة أن ما يُكتب اليوم بالعربية على أنه «هايكو» هو: «تغريدة» وليس «هايكو»، ثم إذا كانت ترجمة هذا «الهايكو» قد تطلبت منه صياغة أكثر من خمسين في المئة من القصائد، فما بالك بشاعر عربي يتجرّأ ويكتب هذا النوع من الشعر، والكتابة في هذه الحال أكثر جرأة من الترجمة.في «كتاب الهايكو الياباني» لا يزيد «الهايكو» الواحد عن ثلاثة أسطر، وتراوح عدد كلمات السطور الثلاثة هذه بين 7 إلى 10 كلمات، وربما كان هذا «الهايكو» هو الأطول بين نصوص هذا الكتاب وهو للشاعر «ياماغو تشي سييشي». يقول: «أزهارها متفتحة بالكامل لكن هذه الكرزة لا ترمي بَعْدُ حتى زهرة واحدة». الكثير من القرّاء وحتى المنشغلون بثقافة الشعر العربي ليس ضد أن يذهب الشاعر إلى التجديد والتجريب والمغامرة، فهذه معاً من طبائع الشعر أو من طبائع الفن بشكل عام، ولكن على الشاعر أن يعرف عمق النهر الذي يخوض في مائه، وإلاّ غرق أو جرفه التيار. والمعنى، إذا أردت أن أكتب «هايكو» عربياً عليَّ أولاً أن أعرف «الهايكو» الياباني: لماذا هو محدود في هذه الكلمات القليلة؟ ولماذا هو محدود في هذه السطور الأقل؟ وما وزنه؟ ما فلسفته؟ وما تاريخه؟ في ما هو سهل وبسيط ثمة ما هو صعب وعميق؛ بل فيه ما هو معقد، وعلى السطح أو في الظاهر يبدو «الهايكو» الياباني سهلاً بسيطاً قابلاً للتقليد والاستنساخ، ولكن الشاعر العربي في حقيقة أمره إنما يُقلّد ويستنسخ القشرة، فيظل على سطح «الهايكو» في منطقة دخانية هلامية بعيدة عن جوهر هذا الشعر الذي يعود في أصوله الأولى إلى آلاف السنوات بالتقويم الياباني، أما بتقويمنا الزمني العربي فهو ما زال في طور التكوّن الطفولي الساذج. yabolouz@gmail.com
مشاركة :