هل توجد مراكز عربية للتفكير؟ - فاضل العماني

  • 2/21/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن الجدل القائم حول أسباب الغياب الواضح لمراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية والسياسية والاجتماعية في العالم العربي سيستمر طويلاً، تماماً كما هي "العادة العربية" التي لا تُجيد استثمار الفرص والثروات والقدرات، سواء المادية أو البشرية. لقد شكلت بدايات القرن الماضي، الصعود الكبير والاهتمام الواضح بمراكز الأبحاث والدراسات في الدول الغربية المتقدمة، وأصبحت تُمثل ملامح القوة والتطور والتفوق التي تؤهل تلك الدول الذكية التي وظفت نتائج بحوثها المعرفية والعلمية والاستراتيجية لصنع حاضرها واستشراف مستقبلها، واعتبرت تلك المراكز المهمة مؤشراً دقيقاً باتجاه التنمية والنهضة والسيطرة، بل وأداة فاعلة في رسم الأهداف والسياسات والتحولات. لقد أصبحت مراكز الأبحاث والدراسات في أغلب دول العالم جزءاً لا يتجزأ من بنيتها المعرفية والسياسية، ومن منظومتها التنموية والنهضوية، فهي قد آمنت بقدرة هذه المراكز الحيوية في صنع القرارات وتوجيه السياسات وإيجاد الحلول وطرح البدائل. إن الدور الكبير والخطير الذي تلعبه مراكز الأبحاث والدراسات الغربية أو ما يُطلق عليها هناك بمراكز التفكير Think Tanks يُمثل الرؤية العامة التي تحملها بعض الدول والنظم والدوائر الغربية والشرقية لواقع ومستقبل العالم بكل ما يكتنزه من ثروات وطاقات ومعتقدات وتطلعات وطموحات وتحولات، إذ تُشكل هذه المراكز المهمة حجر الأساس في رغبة وكفاءة وقدرة تلك الدول والنظم والدوائر على إدارة بل وخلق الصراعات في هذا العالم. ولكن، ماذا عن واقع وطبيعة مراكز الأبحاث والدراسات في عالمنا العربي؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال الملغوم، أضع أمام عينيك عزيزي القارئ هذه الإحصائية التي توضح نسبة المراكز البحثية أو مراكز التفكير على مستوى العالم الأول والتي بلغت سبعة آلاف مركز موزعة كالتالي: أميركا الشمالية حققت النسبة الأعلى وهي ، ثم أوروبا وشمال آسيا ونسبتها ،، ثم جنوب شرق آسيا ونسبتها ،، وقد غابت الدول الإفريقية والدول العربية عن هذه القائمة لأنها لا تُمثل مجتمعة أكثر من !. لا أعرف، إذا ما كانت هذه الإحصائية المثيرة، تستحق أن تكون إجابة عن ذلك السؤال؟ منذ تسعينيات القرن الماضي، والجدل حول واقع مراكز الأبحاث والدراسات في العالم العربي لا ينتهي، لأنه كما يبدو مجرد جدل بيزنطي تُتقنه الذهنية العربية جيداً. نعم، قد تكون هناك بعض المبادرات والخطوات والقناعات من بعض الدول والهيئات والمؤسسات العربية بضرورة وجود مثل هذه المراكز البحثية المهمة، وقد أنشأت بالفعل عدداً منها، ولكنها قليلة جداً ولا تُمارس دورها الحيوي بالمشاركة في صنع القرار أو تقديم المشورة أو توجيه البوصلة، لأنها واقعة بين نارين، فهي إما مراكز رسمية خاضعة لسياسات وتوجهات وبيروقراطيات الجهات الرسمية التي تُشرف عليها وتمولها، أو مراكز خاصة تتعرض للكثير من المعوقات والترصدات والاتهامات. ألم يحن الوقت بعد لأن يقتنع صانع القرار في الكثير من الدول العربية بأهمية وضرورة وجود مراكز حقيقية للأبحاث والدراسات والتفكير والاستطلاعات والمعلومات، وذلك باعتبارها قوة ناعمة كبرى، تُنتج المعرفة وترسم السياسة وتستشرف المستقبل، خاصة في مثل هذه المرحلة الحرجة من عمر العالم العربي، بل والعالم بأسره، والذي تتغول فيه "العولمة" بكل ما تحمل من آفاق وثقافات وخبرات وأزمات وصراعات، والتي تُشكل تحدياً خطيراً جداً يواجه العالم العربي، بل ويُحدد مصيره؟

مشاركة :