لم أحزن لخروج العرب من كأس العالم بخفّي حنين، فـ"خفا حنين" على علاتها أفضل عندي من المشي عاريا في دروب الأوهام، وتحمل شوك ورود الأحلام الجافة المتيبسة، هذا هو مستوانا الكروي، ورحم الله كرة قدم عرفت قدرها. ما أحزنني هو مطالبة بعض الملاقيف بتشكيل منتخب عربي واحد لخوض المنافسات القادمة، فهؤلاء المجانين يريدون منا الهرب من شوك الأحلام الوردية الواهمة لنطيح بسرية الكوابيس الترللية الحلمنتيشية، صدقاً مجرد التفكير بهذا يؤكد أن البعض "يهرف بما لا يعرف"، ويحتاج داء خياله لعلاج بالصعقات الكهربائية من "راس الفولت" المرفوع، صعقات غير خاضعة لإعلانات الترشيد ومعفاة من الفواتير تحت بند "إغاثة الملقوف"، فالمثل يقول "اقلب القدرة على فمها تطلع البنت لامها"، ويقول المنطق "اقلب قدر الأمم على فمها تطلع المنتخبات على واقع أمتها"! أي منتخب تريدون منا تشكيله في وطن عربي لا انتخابات فيه ولا هم يصوتون؟! أي منتخب ستنسجم خطوطه في المباريات وأمته لا تنسجم قرارات جامعتها مع تطلعات شعوبها؟ أي منتخب هذا الذي سيحصد النقاط حصدا ويذل المنافسين سيخرج من أمة لم يحصد تاريخها من بداية القرن العشرين سوى نقاط التفتيش، وفشلت في وضع نقطة هدف واحد على حرف تنمية صحيح! يقال يا سادة إن الحكم على شيء فرع من تصوره، وأترك لكم الحكم هنا أو "المايك" أيهما أقرب لأريكة خيالكم لتصور شكل منتخب عربي واحد يخرج من رحم أمة مفككة نائمة على درجة 10 اشخر، حارس المرمى سيشبه طبقة النخب والمثقفين العرب، فلا مرمى سيحرس ولا كرات سيصد، وسيتفرغ لمدح حارس مرمى الفرق الأخرى، وسيكتب القصائد في جمال صده التكنولوجي، وفي رونق مرونته الليبرالية، وفي قفزته التنويرية الرائعة، هذه هي حال المثقف العربي التارك لمرمي ثقافته ليدك دكاً، والمتفرغ للمدائح الصوفية والقطنية والبلاسترية للثقافات الأخرى بحلوها وشرها وثقيلها الموزون وخفيفها التافه. أما خط الدفاع فوا ويلاه إن كان يشبه بعض جيوشنا العربية، ثم وا ويلاه، جيوش تركت الحدود، وتفرغت لإقامة أيام الحداد لمواطنيها في الداخل، مثلها سيترك خط الدفاع مواقعه، وينهال على الجمهور حذفا بالأحذية والأحجار والبصقات إن سمع منه همساً أو انتقاداً واحداً لأدائه الهزيل و"المشخول" أمام هجمات الفرق الأخرى، أما خط الوسط فإن شابه الأوساط إياها التي عندنا فما ظلم، كبعض الأوساط الفنية والاجتماعية والثقافية التي ستلبس الحزام وتهز الوسط على "وحدة ونص"، مع كل حذاء أو حجر يمر من خط دفاعها نحو الجمهور الساخط، و"هز يا وز" يا خط الوسط، أما خط الهجوم فسيكون تماما كخط أهل السياسة عندنا، إن "شات" خارج المرمى أو ضيع درب الأهداف وتاه في صحراء الصفر المطلق، وهذا هو غالباً واقع الحال سيقول إن "الكاذبية الأرضية" خذلت تطلعات كرته العروبية، وإن المؤامرة الماسونية دست إسكافياً صهيونياً تلاعب بحذائه اليعربي الشامخ، وإن غاية الركلة تبرر وسيلة الشوت لاستنزاف الخصم حتى رمق الجولكوز الأخير، وإن أوتوستراد مرمى الهدف يمر عبر أوفسايد القدس، ولا صراخ لجمهور يعلو فوق صوت معركة الشوتات العربية الضائعة! وهلمّ جراً وسحلاً بكل أنواع التبريرات والأعذار التي رضعنا من صدر زمانها. منتخب مين والناس نايمين يا مولانا الملقوف!!
مشاركة :