واشنطن – ذكرت دراسة نشرت أمس الثلاثاء أن إعادة تشغيل طائرات الركاب الأسرع من الصوت ستلحق أضرارا بالبيئة لأن هذه الطائرات لن تكون على الأرجح متماشية مع معايير كفاءة الوقود والتلوث والضوضاء، وهي المعايير الراهنة والمستخدمة في الطائرات الأقل من سرعة الصوت. وتسعى شركات ناشئة مقرها الولايات المتحدة -ومنها أيريون سوبرسونيك وبوم سوبرسونيك وسبايك أيروسبيس- لإعادة تسيير رحلات طيران أسرع من الصوت بحلول عام 2025 عن طريق تعديل المحركات الراهنة بدلا من إنفاق المليارات من الدولارات في صناعة محرك جديد لخدمة سوق ظلت راكدة منذ توقف طائرة كونكورد عن الطيران في عام 2003 بسبب ارتفاع تكاليف تشغيلها وتراجع الطلب عليها. وبدأت الوكالة الأميركية ناسا باستثمار 1.5 مليون دولار في ثمانية مشاريع بحوث منذ توقيف كونكورد وذلك من أجل إعادة إحياء حلم الطائرة الأسرع من الصوت. وتعكف وكالة الفضاء الأمريكية ناسا حالياً على تطوير تقنية من شأنها خفض الضوضاء الشديدة التي تصدر عن الطائرات عند هبوطها بنسبة قد تصل إلى 70 بالمئة. ويقول الباحثون إن الضوضاء الصادرة عن الطائرات وقت هبوطها تعزى بالأساس إلى هيكل الطائرة، وليس إلى محركاتها.ويضيف الباحثون أن أبحاثهم قد قادتهم إلى ثلاثة عوامل تتسبب في هذه الضوضاء، وهي: عجلات الهبوط، والتجاويف في هيكل الطائرة، والقلابات (الأسطح المفصلية المثبتة في حواف أجنحة الطائرة). فقد عالجت تقنية ناسا الجديدة مشكلة الضوضاء التي تصدرها العجلات، بجعل المنطقة المحيطة بها أكثر انسيابية وتحتوي على مسام. أما التجاويف فقد عمدت إلى تغطيتها بحلقات مطاطية تمتص الصوت، وأخيراً تم استبدال القلابات العادية بأخرى مرنة وإلغاء الفجوات بينها وبين جسم الطائرة. وقد حذّرت الدراسات والبحوث الطبية السابقة من المخاطر والأمراض في المناطق التي يكثر فيها التعرض للضوضاء الناتجة عن الطائرات والمناطق القريبة من المطارات. وكشفت دراسة بريطانية سنة 2013 عن ارتفاع نسبة دخول المستشفيات وحدوث وفيات جراء الإصابة بالسكتات وأمراض القلب وأمراض الدورة الدموية بنسبة اثنين في المئة، أي حوالي 70 ألف شخص، ممن يعيشون في مناطق شديدة الضوضاء التي تحدثها الطائرات. وأجرى الباحثون دراستهم على 3.6 مليون شخص من سكان المنطقة القريبة من مطار هيثرو، وكشفت الدراسة أن نسبة الخطر تتزايد من 10 إلى 20 في المئة في المناطق التي تزداد فيها مستويات ضوضاء الطائرات. كما بيّنت دراسة ألمانية أن ضوضاء الطائرات أثناء ساعات الليل قد تكون لها آثار خطيرة على المصابين بأمراض قلبية. وأجرى مستشفى جامعة ماينتس الألمانية هذه الدراسة على 60 مريضا ممن اعتادوا على التمتع بنوم هادئ في سكون الليل، حيث قام العلماء بمحاكاة ضجيج الطائرات باستخدام معدات في منازل هؤلاء المرضى ينبعث منها صوت لضوضاء هائلة. واشنطن تسعى لوضع معايير مختلفة للطائرات الأسرع من الصوت لكنها تواجه مقاومة من أوروبا وعلى مدى ليلة وحيدة جرى محاكاة 60 رحلة جوية بمعدل ضوضاء بلغ 46 ديسيبل، وهو ما يناظر معدلا منخفضا من الضوضاء المنبعثة من الطائرات. وتشير الدراسة إلى أن مرضى الشريان التاجي عرضة لمخاطر أكبر بكثير بحسب فرانك شميت، الذي تولى الإشراف على البحث، لكن الدراسة لم تقدم أي معلومات بشأن الأشخاص المعتادين بالفعل على الضوضاء لأنها استبعدت المرضى الذين يقطنون بالفعل بالقرب من المطارات والطرق وخطوط السكك الحديدية. وأوضح شميت أن الضوضاء أدت إلى تدهور حالة الأوعية الدموية حتى بالرغم من أن المرضى تناولوا أدوية لمنع حدوث هذا التدهور. وكشفت دراسة سويدية أن السكن بالقرب من المطارات يزيد من الوزن بسبب الضغط النفسي الذي يولده الضجيج. وقد تناولت الدراسة التي قام بها باحثون متخصصون في الطب البيئي من معهد كارولينسكا العلاقة بين صحة خمسة آلاف شخص وبين سكنهم بالقرب من مطار في استوكهولم، وتمت متابعتهم لمدة تراوحت بين ثمانية وعشرة أعوام. الفريق الطبي توصل إلى أن من يعانون أكثر من ضوضاء الطائرات بشكل يومي يكونون أكثر عرضة لزيادة الوزن على مستوى الخصر والبطن. وتقول شارلوته إريكسون (واحدة من الفريق الطبي) إن”هذا يمثل زيادة قدرها 1.5 سم لكل زيادة قدرها 5 ديسيبل من الضوضاء”. وتعد هذه الدراسة العلمية هي الأولى من نوعها التي تكشف العلاقة بين الوزن والضوضاء، وقد نشرت في الولايات المتحدة الأميركية في صحيفة “إنفايرمنتال هيلث برسبكتيفس”. وقال المجلس العالمي للنقل النظيف إن تعديل المحركات سيحرق ما بين خمسة وسبعة أمثال معدلات الوقود لكل راكب مقارنة بالطائرات الأقل من سرعة الصوت وهو ما يتجاوز الحد الأقصى العالمي للطائرات الجديدة الأقل من سرعة الصوت بنحو أربعين بالمئة لثاني أكسيد النيتروجين وسبعين بالمئة لثاني أكسيد الكربون. وتحاول الجهات المعنية والعديد من الشركات تحقيق أعلى درجات الأمان والراحة للركاب في الطائرات الأسرع من الصوت، ومن بين ذلك اختبار “إيرباص” ما يسمى بالمقصورات الإلكترونية الذكية. وهناك موجة أخرى من الابتكار تشمل تقليل النوافذ وزيادة أعداد الركاب على هذا النوع من الطائرات بالإضافة إلى المزيد من توفير الأمان والراحة. ويركز مسؤولو صناعة الطيران في العالم على خفض التكلفة وزيادة السرعات لتقليل زمن الرحلات وخفض التلوث وزيادة التطوير بشكل مستمر. وأشار المجلس، استنادا إلى دراسته، إلى أن سوق الطائرات الأسرع من الصوت لن تلبي على الأرجح معايير البيئة ما لم تستخدم محركات جديدة مصممة بتكنولوجيا مثل دائرة متغيرة تعمل في الهبوط والإقلاع بشكل يختلف عن نمط الملاحة. وأضاف المجلس أن بديل ذلك هو أن يخفف صناع القرار المعايير المطبقة على الطائرات الأسرع من الصوت. وتسعى الولايات المتحدة بالفعل لوضع معايير مختلفة للطائرات الأسرع من الصوت لكنها تواجه مقاومة من الدول الأوروبية التي تريد تشديد القواعد المتعلقة بالضوضاء.
مشاركة :