كل «الأحبة اتنين اتنين» في حداثة القرن العشرين المستعادة

  • 7/17/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لعل المفارقة الكبرى التي لفتت الأنظار يوم قَتل الفيلسوف الفرنسي لوي آلثوسير إمرأته هيلين قبل عقود من الآن، ثم سلّم نفسه إلى رجال الشرطة وهو شبه مذهول يصرخ: «لقد قتلتُها!»، تكمن في أن الدافع الرئيس للجريمة يومها لم يكن سوى... الحب. ليس بمعنى أن من الحب ما قتل، بل بمعنى أن القتل كان يومها قتلاً رحيماً... محاولة لإنقاذ هيلين من هاوية الشيخوخة والخرف. وهذا تحديداً ما ناقشه لاحقاً المخرج النمسوي ميشال هانيكي في فيلمه «حب» من بطولة جان لوي ترنتينيان وإيمانويل ريفا، إذ استلهم حكاية آلثوسير وقَتْله هيلين، ليُحقق واحداً من أكثر الأفلام الغرامية عمقاً وقسوة في السنوات الأخيرة. ولا شك أن تلك الحكاية الحقيقية والفيلم الناتج عنها يرِدان في ذهن المتجوّل اليوم في المعرض الكبير والفريد من نوعه المقام، حتى العشرين من آب (أغسطس) المقبل في قاعات مركز جورج بومبيدو (بوبور) الباريسي، كما في فرعه في مدينة ميتز في الشرق الفرنسي، بعنوان «أزواج محدثون». فكما تقصر الترجمة العربية لعنوان المعرض عن التوضيح، ولا تفعل ترجمة أخرى مقترحة هي «ثنائيات حديثة»، لا بد من توضيح ان هذا المعرض، الذي واكبه كاتالوغ ضخم وبديع يستعيد، كما المعرض، حيوات أشهر العشاق والأزواج/ الزوجات في بعض تاريخ الثقافة العالمية، لا سيما الفرنسية خلال النصف الأول من القرن العشرين، يعيدنا إلى يوم كانت ثمة تفاعلات مدهشة بين المشاهير من النساء والرجال، لا تقوم فقط على حكايات الحب التي باتت أسطورية، بل على التجابه الإبداعي بين طرفي الثنائي، ما ساهم في قسط كبير من إبداعات، غالباً ما تغطي عليه حكايات الصخب الاجتماعي التي كانت وما تزال الشغل الشاغل للناس. في المعرض أعمال وبورتريهات مزدوجة لعشرات الأزواج في أنواع الفنون المختلفة، ولعل اللافت أن المعرض لم يختر السهولة. فهو مثلاً لم يحدثنا عن بيكاسو في علاقته مع أي من النساء المعروفات في حياته، بل في علاقته مع «الغامضة» ميرا دور التي رسمها، وكان بينهما تجابه إبداعي حقيقي. واستعاد العلاقة الزوجية الطويلة بين الرسام روبير ديلانوي وزوجته الفنانة سونيا التي لا تقل شهرة عنه. ووصل إلى الأميركية جورجيا أوكافي ورفيق حياتها وفنها المصور ألفريد ستيغلتز... من دون أن ينسى المرور مثلاً على مارسيل دوشام ورفيقته الفنانة البرازيلية ماريا مارتنز، أو على الروسيين غونتشاروفا ولاريونوف، أو ماكس إرنست والنحاتة دوروثيا تاننغ، ومارينيتي رائد المستقبلية وبنيديتا كابا... طبعا، لن نتوقف هنا عند لائحة مطولة بكل الأزواج الذين يستعيد هذا المعرض ذكراهم، أو أولئك الذين يغيبون لكن حضورهم يطغى لدى المتجوّلين. فقط نشير إلى أننا هنا في إزاء معرض لا يهتم بتلك العبارة «الذكورية» الخالدة المتحدثة عن أن «وراء كل رجل عظيم امرأة»، بقدر ما يهتم بمفهوم أكثر صواباً قد تكون فحواه أن «وراء كل فن عظيم زوجين، امرأة ورجل عملا معاً وأبدعا معاً». بل حتى تجابها في فنّهما حين لم يكن التكامل ممكناً. ومن هنا، يمكننا أن نتفق مع قول مارينيتي الذي كان عام 1918 صدى لتريستان تزارا حين قال بكل بساطة: «عليك أن تعمل من أجلك، من أجلي ومن أجلنا معاً». في مطلق الأحوال، من الواضح أننا أمام معرض فني يعيد النظر في مفهوم الحداثة نفسه، كما في مفهوم العلاقة الثنائية، ملقياً أضواء كاشفة «على تطور الأشكال الفنية والأفكار والمفاهيم» خارج إطار صورة وحدة الفنان المطلقة أمام موضوع إبداعه، للقول في شكل قد يتناقض مع كل ما نعيشه عند بداية هذه الأزمان القاسية الجديدة، إن الإبداع كان أيضاً عملية ثنائية.

مشاركة :