دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية تربطهما علاقات ترتكز على أسس متينة من التعاون والتنسيق في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية وظلت العلاقات التي بدأت مع تأسيس دولة الإمارات ثابتة في وتيرتها قائمة على الأسس الثابتة للدولة التي تحرص على سياسة خارجية عمادها إقامة جسور من المحبة والتواصل واتباع خطط إيجابية مثمرة في علاقاتها الإقليمية والدولية للمساهمة في بناء مستقبل مشرق وبناء لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار العالمي، وتطابق مواقف البلدين ونظرتهما للعديد من القضايا الدولية والإقليمية الشائكة، في مقدمتها قضايا الإرهاب إلى جانب ملفات المنطقة. ويرى عدد من الدبلوماسيين والسياسيين الذين تحدثوا لـ«البيان» أن ثبات وقوة علاقات البلدين انعكس على مواقفهما إزاء قضايا منطقة الشرق الأوسط الملحة فمواقفهما من قضايا سوريا والعراق والملف اليمني متوافقة، أسهمت الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين في البلدين، في بلورته ويقول رئيس لجنة الشؤون العربية، بمجلس النواب المصري، اللواء سعد الجمال، إن التقارب الإماراتي الصيني خلق حالة انسجام بين قادة البلدين انعكس على توافق رؤيتهما حول القضايا الملتهبة وخصوصا في الملف اليمني، مشيرا إلى أن الإمارات والصين كانتا من أوائل الدول الرافضة لانقلاب جماعة الحوثي على الرئيس الشرعي المنتخب عبدربه هادي منصور، مستدلا على ذلك بأن الإمارات والصين أصدرتا بيانات رسمية تدين فيها الانقلاب الحوثي وتدعو المتمردين إلى التراجع عن الخروج على الشرعية. توافق في اليمن وأوضح الجمال لـ «البيان» أن الإمارات والصين منذ بداية الأزمة أكدا أهمية الجلوس على طاولة المفاوضات والوصول إلى حلول مرضية لجميع الأطراف فيما يتعلق بالقضايا المختلف عليها بين الحوثيين والسلطة الشرعية المنتخبة، تحفظ وحدة اليمن وتحميه من التقسيم، وتمنع تدخل أطراف خارجية في الأزمة. ويضيف رئيس لجنة الشؤون العربية في مجلس النواب أن السنوات الأخيرة شهدت تقاربا بين الإمارات والصين، وصدر عن البلدين مواقف وردود فعل متطابقة في عدد من القضايا المتأزمة وعلى رأسها القضية اليمنية ورفض التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول، بالإضافة إلى ضرورة العمل معا للقضاء على الإرهاب ووقف انتشار وتمدد الجماعات المسلحة في عدد من الأقطار العربية من بينها مصر وسوريا وليبيا. شواهد عدة وفي الاتجاه ذاته يذهب رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط وخبير العلاقات الدولية، د. مجاهد الزيات، قائلاً لـ«البيان» إن هناك شواهد كثيرة تؤكد مدى التطابق في وجهات النظر بين الإمارات والصين، مؤكداً أن هناك توافقاً على الملف اليمني بكل تأكيد، مشيرا إلى أنه خلال 4 سنوات من تمرد الحوثيين على الشرعية الدستورية، وما تلاها من احتلال ميليشيا الحوثي للعاصمة اليمنية، بدا للجميع أن الإمارات والصين يتحدثان نفس اللغة ويسيران في طريق واحد، ويتبعان منهجا مشتركا للوصول إلى حل سلمي يحفظ لليمن وحدته، مع الحفاظ على الشرعية الدستورية. وتابع: «خلال السنوات الأربع لم تتوقف المبادرات الإماراتية أو الصينية في مخاطبة كافة الأطراف ودعوتهم إلى الجلوس على مائدة المفاوضات، وفي إطار من الشرعية الدولية التي تمثلها منظمات المجتمع الدولي، وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وفي هذا الإطار جاء الموقف الصيني متشابهاً مع الموقف الإماراتي من الخطوة التي اتخذتها ميليشيا الحوثي الإيرانية بتشكيل حكومة جديدة من الحوثيين وحلفائهم السياسيين، وهي الخطوة التي رفضتها الإمارات، واعتبرتها الصين ضربة للجهود التي تدعمها الأمم المتحدة لإنهاء الأزمة في اليمن». ويضيف أيضاً مواقف البلدين تطابقت تجاه دعم ثورة 30 يونيو التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية من الحكم في مصر. جهود إنسانية أما المحلل السياسي اليمني علي البخيتي فثمن جهود الإمارات والصين في مساعدة الشعب اليمنى على تجاوز محنته عبر المساعدات الإنسانية، مشيراً إلى أن الإمارات قدمت دعما لوجستياً كبيراً لليمنيين منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية في نهاية عام 2014، موضحاً أن أوجه الدعم تمثلت في أوجه الإغاثة والصحة والتعليم، مشددا على أن تلك الجهود جاءت في وقت قدمت فيه الصين مساعدات مماثلة شملت تقديم دعم لوجستي في مجال الطاقة بالإضافة إلى إسقاط ديون كبيرة عن اليمن. وطبقاً لمراقبين تحدثوا لـ«البيان» فإن التوافق الإماراتي الصيني ليس قاصراً على ملف اليمن والقضايا المتعلقة بالإرهاب وإنما يربط البلدين موقف شبه موحد من الأوضاع المتفجرة في سوريا، وضرورة وضع حد نهائي للصراع عبر عملية سياسية شاملة تعالج القضايا الأساسية ولا تغفل آثاره الجانبية، ويمضي الخبراء إلى تبيان أن موقف البلدين ظل ثابتاً ومتوافقاً على مر سنوات الأزمة السبع، حيث صدرت عن الصين العديد من ردود الفعل تجاه أحداث الأزمة السورية، فضلا عن خروج العديد من التصريحات الرسمية الصينية حول المشهد السوري، وفي كل رد فعل أو تصريح تحدد الصين موقفها الرسمي من الأزمة في سوريا، يتمثل في ضرورة وقف إطلاق النار، واستئناف العملية السياسية، وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية، وهي ذات المواقف التي تنادي بها الإمارات. ويؤكد المراقبون أن رؤية رؤية الصين الرافضة لتدخل أي قوى خارجية في شؤون المنطقة، لم تكن مختلفة كثيرا عن السياسة الإماراتية المطالبة بحل الخلافات داخل البيت العربي، وأن يكون للجامعة العربية دور مؤثر في وضع نهاية لكافة الخلافات التي تشهدها العديد من البلدان في الوطن العربي، فالمؤشرات التي تكشف تقارب وجهات النظر بين الإمارات والصين فيما يتعلق بمشكلات وقضايا الشرق الأوسط المتشابكة والمتأزمة، عديدة لافتين إلى أن ذلك التقارب ساهم في تعزيز أوجه التعاون والتنسيق بين البلدين في مختلف الشؤون السياسية والعسكرية والأمنية، وبدا ذلك واضحا فى الاتفاق والعمل مع الجانب الصيني في الوصول إلى طرق كافية لمواجهة الإرهاب ومحاصرة الجماعات المسلحة عن طريق تجفيف منابع تمويلها من الخارج. رؤية صائبة مشيرين في هذا الصدد إلى التوافق الكبير في الملف العراقي الذي شهد تحولات وتغييرات عاصفة خلال الخمسة عشر عاماً الماضية. فمنذ بداية التدخل الأميركي في العراق في عام 2003، والإطاحة بنظام صدام حسين تصدر العراق قائمة القضايا الإقليمية والدولية التي اختلفت حولها المواقف الدولية، وتباينت الرؤية تجاه بين المحاور المختلفة غير أن ردود الفعل الإماراتية والصينية، أظهرت وبشكل جلي التفاهم والتنسيق بين البلدين، منذ بداية الأزمة حيث أعلن حينها البلدان كل على حدة رفضهما للتدخل الأميركي، البريطاني في العراق، ودعتا إلى الاتجاه نحو الحل السلمي عبر طريق المفاوضات تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، تجنباً للعواقب الوخيمة التي من المتوقع أن تترتب على هذا التدخل، ويشير المراقبون إلى أن التفاعلات والأحداث التي جرت بعد ذلك أثبتت صحة ما حذرت منه الإمارات والصين ودقة مواقفهما وصحة ما طالبتا به، حيث اكتشف العالم كله ولكن بعد فوات الأوان الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه أميركا وبريطانيا بتدخلهما في العراق. تطور تتميز العلاقات بين دولة الإمارات والصين بتعاون قوي وتطور مستمر منذ بدايتها رسمياً مع تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في نوفمبر عام 1984، إذ حرص البلدان على تطوير علاقات الصداقة والتعاون بينهما في المجالات كافة وبإمكانات ضخمة. وأخذت هذه العلاقات في التطور المستمر مع زيارات متبادلة قام بها كبار القادة والمسؤولين في البلدين، وبدأت بزيارة رسمية قام بها الرئيس الصيني آنذاك يانغ شانغكون إلى دولة الإمارات خلال شهر ديسمبر عام 1989. شراكة اتسمت العلاقات بين دولة الإمارات والصين بالتعاون والتنسيق على المستويين الثنائي والإقليمي والدولي تجاه معظم القضايا من خلال الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين البلدين في 17 نوفمبر عام 2012 بمبادرة من سفارة الإمارات ببكين لتكون اتفاقية شراكة استراتيجية واضحة البنود ومحددة المعالم تنضوي تحت مظلتها كل تفاصيل العلاقات الثنائية بين البلدين وبذل مزيد من الجهود لتحقيق أفضل النتائج في إطار الزيارات القيادية المتبادلة عالية المستوى والتي تشكّل حجر الزاوية لتنسيق المواقف وتكامل الأدوار بين الدول في سعيها إلى تحقيق مصالحها الفعلية.طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :