«حاولت أن أمارس كتابة حرة، كأنما كنت أكتب لأهلي في الرويس إذا قرأوه قالوا: هذا نحن، ثم لا يسألون بعد ذلك عن جنس ما قرأوه أو تصنيفه، إنه كتاب بدائي بسيط جدا كأهل الرويس، حاولت من خلاله استعادة طفولتي وذاكرتي في الحي، واستعادة تلك البساطة التي كنا عليها». تلك هي الكلمات للناقد الدكتور سعيد السريحي عندما دشن كتابه «الرويس»، قبل 11 شهرا من الآن، مهديا الكتاب إلى ذكرى صديقيه الراحلين: زكي سالم دريب وسليمان معتوق مناع، باعتبارهما ممثلين لكل أولئك الذين كتب الله لهم أن يقيموا في حي الرويس حتى قيام الساعة، لا يخرجهم منه مطمع ولا تزحزحهم عنه غاية، أولئك الذين ارتحلوا من الرويس إليه، فاحتضنهم ثراه الذي طالما مشوا عليه، وضمتهم مقبرته التي طالما قرأوا على قبور موتاها السلام. ويضيف السريحي: «أهديت هذا الكتاب إلى ذكرى الصديقين اللذين سبقانا فانضما إلى منازل آبائنا وأجدادنا، آباء الرويس الذين أورثونا قلوبا ترق حتى كأنما خلقت من ماء وعزيمة تصلب حتى كأنما قدت من الصخر، وأورثونا فيما أورثونا ذاكرة تنضح بالحكايات تلك التي كانوا يوسعون بها أرضهم حين تضيق عن صدورهم الأرض، ويقربون بها سماءهم حين تتعالى عن أطراف أناملهم السماء، ويهدهدون بها موج البحر حتى ينام البحر». وقال السريحي معقبا: «ذاكرة الناس التي حاولت أن أجمع في هذا الكتاب شظايا زجاجها، كلما لمست منه شظية رشحت دما وعطرا وأهازيج لبدو يحثون النوق، ومواويل البحارة لو أقسموا على جزر البحر لجاءت إليها شواطئها ركضا». ويزيد «هذا كتاب الرويس مخضبا بالدم والعطر والعرق والملح بين أيديكم، ولن تجدوا فيه بعضا مما كنتم ستجدونه لو كتب الله لكم ما كتبه لي، وأصغيتم إلى أحاديث آبائنا وأمهاتنا أولئك الذين أشعر برفيف أجنحتهم في هذا المكان، حيث كانت مملحة الرويس يختلط فيها ملح البحر بملح العرق بملح الدمع، وعلى خطوات من مسجد الطوري الذي شهد صلوات الجنائز بقدر ما شهد من صلوات الفرائض، على مقربة من مقبرة حمد، ومنازل الرويس تلعب في ساحاتها الريح والروح معا». و«الرويس» أحد أقدم وأشهر الأحياء في مدينة جدة، وفي كتاب «الرويس» الذي عنونه السريحي باسم ذلك الحي، فيجد في الكتاب حكاياته من الأنس والجن، ومن ملامح السواحل وتضاريس الجزر من ألف طريقة للحياة، ومثلها إلى الموت.
مشاركة :