شريف عادل (واشنطن) أظهرت معدلات العائد على سندات الخزانة الأميركية تسطحاً واضحاً لمنحنى العائد في الأونة الأخيرة، وهو ما يعني أن المستثمرين يطلبون معدلات عائد متقاربة، برغم تفاوت المدى الزمني لاستثماراتهم، الأمر الذي اعتاد الاقتصاديون على تفسيره بأنه يعكس صورة سيئة لمستقبل الاقتصاد الأميركي. ويعتبر المستثمرون أن وضع منحنى العائد يكون طبيعياً عندما يزداد العائد مع كل زيادة في عمر السند، الأمر الذي يؤدي إلى وجود فارق كبير في العائد بين السندات التي تستحق بعد عامين، وتلك التي تستحق بعد عشرة أعوام. وعلى مدار ربع القرن الأخير، بلغ متوسط ذلك الفارق 1.4%، بينما يستقر حالياً عند مستوى 0.25% وهو أقل مستوى له في عشر سنوات، مع وجود توقعات شبه مؤكدة بتوجه بنك الاحتياط الفيدرالي لرفع معدلات الفائدة على الفترات القصيرة، ما قد يدفع بفارق الفائدة بين نوعي السندات إلى المنطقة السالبة، إذا ما تجاوزت معدلات الفائدة على سندات العامين نظيراتها للسنوات العشر، ويطلق عليه وقتها «منحنى عائد مقلوب». وتفسر الأسواق منحنيات العائد المقلوبة، أو المسطحة، على أنها نتيجة لتسرع البنك الفيدرالي في رفع معدلات الفائدة على الفترات القصيرة، الأمر الذي يعني أن انخفاض ذلك العائد قريباً بات متوقعاً، في إشارة لتزايد احتمالات حدوث ركود في الاقتصاد الأميركي. وقبل يومين نشر الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان على حسابه على تويتر صورة قارن فيها بين فارق العائد الحالي بين سندات السنتين والعشر سنوات والفترات السابقة التي انخفض فيها ذلك الفارق، حتى وصل في بعضها إلى مستويات تحت الصفر، وأوضحت الصورة أن ذلك تحقق في فترتين خلال العشرين سنة الأخيرة، كانت الأولى عام 2000، قبل انهيار أسهم التكنولوجيا مباشرةً، فيما عرف وقتها بفقاعة الإنترنت، بينما كانت الثانية بين عامي 2006-2007، فيما اكتشف بعد ذلك أنه كان إنذاراً مبكراً لحدوث الأزمة المالية العالمية في عام 2008. وعلق العريان قائلاً: «إن القفز إلى الاستنتاج التقليدي بظهور تباطؤ اقتصادي كبير في الأفق يمكن أن يتم تخفيفه بالنظر إلى وجود تأثير للعوامل الفنية المحلية والخارجية»، فيما يعد محاولة منه لتخفيف وطأة الإشارة المرسلة من منحنى العائد، بينما هو يعترف أن احتمالات حدوث الركود هي أول ما يلحظه المتابع. الأمر نفسه، أشار إليه نيل كاشكاري، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في مينيابوليس، الذي أكد أن «على مدار الخمسين عاماً الماضية، كان منحنى العائد المقلوب مؤشراً رائعاً على قرب حدوث الركود في الولايات المتحدة»، وأكد أنه خلال تلك الفترة لم يحدث في أي وقت أن انقلب منحنى العائد، إلا وتلا ذلك ركود. وسخر كاشكاري من العبارة التي يرددها البعض في مثل هذه الأحوال، حين يقولون «هذه المرة الأمر مختلف»، وقال: «إن هذه الكلمات الأربع هي الأخطر في علم الاقتصاد». وحاول رؤساء البنك الفيدرالي في أكثر من مناسبة سابقة التخفيف من تأثير تسطح منحنى العائد، وقال بن برنانكه في 2006: «لن أعتبر تسطح منحنى العائد مؤشرا على تباطؤ قادم في الاقتصاد» فحدثت الأزمة المالية بعدها بعام واحد. وقالت جانيت يالين العام الماضي: «أعتقد أن هناك أسباباً عديدة ترجح تبدل العلاقة بين منحنى العائد ودورة النشاط الاقتصادي»، بينما قال جيرومي باول الشهر الماضي: «نحن نعرف أسباب تسطح منحنى العائد». فهل تصدق توقعات هؤلاء، وهم من هم في عالم الاقتصاد، أم يعيد التاريخ نفسه ونجد الركود يدق أبواب أكبر اقتصاد في العالم، برغم أنف هؤلاء، بعد أشهر قليلة؟
مشاركة :