لندن - مثل اختراق جماعة الإخوان المسلمين للتعليم البريطاني في ما بات يعرف بعملية “حصان طروادة” في مدينة برمنغهام بمثابة الصدمة في نفوس سكان المدينة ممن مروا بالمدارس التي تم اختراقها، وتحويلها إلى مدارس للاستقطاب الديني وتهيئة طلابها للتشدد. وجسد بعض هؤلاء ما جرى خلال تلك الأحداث في مسرحية وثائقية تستكشف الأثر المدمر للقضية على المدينة وحياة الأشخاص الذين ارتبطوا بها. واستنادا إلى أكثر من 200 ساعة من المقابلات مع قرابة 90 شاهدا بمن في ذلك الكثير من المدرسين والتلاميذ والأولياء والمديرين الذين انقلبت حياتهم رأسا على عقب بسبب الأحداث قبل أربع سنوات، سيقدم أول عرض للمسرحية في إدنبورغ الشهر المقبل. وبالطبع لن يتفق الجميع مع قراءاتها لما وصف بأنه “أشهر قصة وأكثرها استقطابا حول علاقة بريطانيا مع مواطنيها المسلمين”. ومن بين أولائك الذين رفضوا إجراء مقابلة معهم لفائدة هذا العمل؛ مايكل غوف وزير التربية حينها، ورئيس هيئة مراقبة المدارس في ذلك الوقت السير مايكل ويلشو الذي ادعى لاحقا بأنه كان في حاجة إلى حارسين شخصيين بسبب التخوف على سلامته أثناء التحقيق. وتضمنت التحقيقات التي جرت منذ أربع سنوات صورا موثّقة وشهادات حيّة تكشف الممارسات المتطرّفة داخل المدارس البريطانية، من ذلك شهادة مدرس سابق بمدرسة “بارك فيو هاي سكول”، التي أدرجت ضمن لائحة المدارس المعاقبة، قال فيها إن مدير المدرسة أعرب عن آراء راديكالية مثيرة خلال المجالس المدرسية، بما في ذلك تأكيده للطلاب صراحة بأن الولايات المتحدة الأميركية هي “مصدر كل الشر في العالم”. وقام المفتشون بفرض عقوبات على المدارس الست ببرمنغهام بتهمة ترويج آراء متطرفة، مصرحين بأن المدارس المعنية فشلت في تقديم برامج تعليمية متوازنة. والمسرحية من إنتاج الشركة المسرحية “لانغ” الحاصلة على إعجاب النقاد وحققت نجاحا مع إنتاجها بعنوان “شيلكوت” المستند على التحري الحكومي في مشاركة بريطانيا في الحرب على العراق وشارك في تأليفها الصحافي في جريدة الغارديان ريشارد نورتن تايلر. وتركز أحداث الرواية على خمس حكايات شخصية لتلميذ ومدرس ومدير مدرسة ابتدائية ومدير إعدادية وعامل في مجلس مدينة برمنغهام معروضة على خلفية بارك فيو أكاديمي، وهي المدرسة الموجودة في صميم عملية “حصان طروادة”. كما تلقي نظرة نقدية على الدور المثير للجدل للحكومة في القضية. وكانت للكاتبة هيلن مونكس مصلحة خاصة في القصة إذ نشأت في مدينة برمنغهام وذهبت إلى مدارسها. تقول إن أثر العملية والتحقيق الحكومي الذي تبعها ما زال الناس يشعرون بهما في المدينة. Thumbnail وتضيف “ما زال هناك قدر كبير من الخوف حول كل شيء، وهذا أحد الأسباب التي جعلتنا نريد إنجاز هذا العمل. لقد ظننا أن ذلك أصبح من الماضي، لكن عندما ذهبنا إلى برمنغهام أصبح من الواضح بسرعة كبيرة أن المسألة ما زالت جارية ولم تحل. ما زال الناس منقسمين حولها بشكل يصعب تصديقه”. وأرادت مونكس وشريكها في التأليف مات وودهاد تجاوز عناوين الأخبار حول التطرف ومؤامرات الإسلاميين المتشددين. وكشف بحثهما عن قصص شخصية كثيرة لم يسمع بها من قبل عن المتأثرين ويستخدمانها لاستكشاف الطريقة التي تمت بها شيطنة الجاليات المسلمة في برمنغهام عن طريق القضية. لم تغادر مونكس منذ وقت طويل برمنغهام عندما ظهرت قصة حصان طروادة. أصابتها الصدمة عندما قرأت تغطية صحافية عن أن مجموعة من مديرين مسلمين متشددين ومدرسين انطلقت في الاستيلاء الممنهج على المدارس الحكومية وأسلمتها”. وقضى الكاتبان عامين يتحدثان للاعبين أساسيين في مسرح الحياة الواقعية فضلا عن سياسيين وأتراب وموظفين في وستمنستر والكثير من المقيمين في ألوم روك الذين شاهدوا مجتمعهم المتماسك يتمزق بسبب تلك القصة. وتبقى المسألة خلافية سواء على المستوى المحلي أو على مستوى أبعد. وتحدث تلاميذ قدماء عن صدمتهم عند قراءتهم بأن مدرستهم التي أحبوها ورأوها عادية تماما توصف في عناوين الصحف على أنها معقل للتطرف الإسلامي. ويعزو مراقبون حالة الانقسام بشأن القصة إلى التستّر الذي دأب الإخوان عليه للتغطية على أنشطتهم، والسعي للاندماج بين الناس ليحوزوا على ثقتهم حتى إذا انكشفت خططهم يصبح الناس في حالة ذهول وانقسام بشأن تقييم تورطهم في مثل تلك القضايا قبل أن يستفيقوا على حقيقتهم لاحقا. ويعمد الإخوان إلى استقطاب الشباب خاصة من خلال مخيمات تكاد تكون دائمة، تتناول في كل مرة موضوعا معينا، وتتم الإحاطة بهؤلاء الشباب معنويا وماليا وعزلهم تدريجيا عن محيطهم حتى يسهل التأثير فيهم واستقطابهم. ويدير الإخوان مدارس تعليمية لأبناء الجاليات ويتم فيها تلقين الأطفال والمراهقين قيما متعارضة مع طبيعة المجتمعات الغربية كمنع الاختلاط والمصافحة بين الشبان والبنات، فضلا عن الارتياب من المجتمع الأوروبي وقيمه، وهي خطة تهدف إلى جعل المؤسسات الإخوانية (ذات الطابع الخيري والتضامني) المصدر الوحيد لأخلاق الطلاب وسلوكهم.
مشاركة :