ما كشفته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية مؤخرًا، في ثنايا مئات الوثائق الاستخباراتية الإيرانية المسربة، عن تحالف استراتيجي إيراني إخواني وتنسيق مشترك في ملفات عدة، منها دعم جماعة الحوثي الانقلابية باليمن في مواجهة الشرعية والتحالف العربي بقيادة السعودية، ومساندة تآمر “الجماعة” وإرهابها وتحريضها على الدولة المصرية، وتمويل ورعاية أذرعها في عدة دول، لم يكن مفاجئًا للمطلعين على تاريخ العلاقة ووحدة الأهداف والمصالح والتكوين وطبيعة التنظيم إلى حد بعيد بين الطرفين، بحيث يصبح ما أوردته الصحيفة كاشفًا وليس منشئًا لطبيعة وبعض تفاصيل التحالف الممتد لسنوات طويلة. وحدة الهدف والوسائل إيران الملالي تتبنى نهج تصدير الثورة والهيمنة على البلاد العربية دولة تلو الأخرى ومد النفوذ في الدول الإسلامية، وقد نجحت حتى الآن في إخضاع 4 عواصم عربية، عبر المليشيات الإرهابية والوكلاء والموالي والحلفاء، والإخوان يسعون إلى السيطرة على الدول العربية ثم الإسلامية وصولًا إلى أستاذية العالم. ملالي إيران والإخوان نموذجان للانتهازية السياسية، الطرف الأول يسميها “تقية” والآخر”براجماتية”، لذلك يتبنيان المبدأ الميكيافيللي نفسه “الغاية تبرر الوسيلة”، ويبيحان أكثر الوسائل انحطاطًا للوصول إلى الهدف، الملالي يعبدون طريقهم لتمديد هيمنتهم بصناعة المليشيات ونشر الطائفية والفتن، يحدث هذا في العراق واليمن وسوريا ولبنان وأفغانستان وباكستان وغيرها من الدول، والإخوان لا يتورعون عن ممارسة الاغتيالات والإرهاب ومحاولات اسقاط الدول من الداخل عبر ضرب الجيوش والمؤسسات الأمنية، كما حدث في مصر وفلسطين وتونس وغيرها. الملالي والإخوان تنظيمان ديكتاتوريان ببنية عسكرية لا يعترفان بالديمقراطية، الطرف الأول يعتمد”ولاية الفقيه” لتكريس التسلط، حيث اعتبر الخوميني أن الخروج على “الفقيه” خروج على طاعة الله، ووصل الأمر بالمتشددين إلى التسويق لولاية عالمية للفقيه والادعاء بأن الخارج على حكمه ” كافر”، والإخوان يلتزمون بالطاعة المطلقة للمرشد في”السراء والضراء” حسب قسمهم، حيث اعتبر حسن البنا أن الإخواني يجب أن يكون بين يدي مرشده كالميت بين يدي مغسله. والتنظيمان قائمان على السمع والطاعة دون حوار أو نقاش حقيقي، وعلى التراتبية التنظيمية، التي على رأسها في الجانبين مرشد مطلق الصلاحيات طاعته مطلقة، الملالي لديهم الحرس الثوري والباسيج وغيرها من أدوات القمع، والإخوان دومًا يخفون تنظيمًا مسلحًا إرهابيًا سواء كان اسمه”جهاز خاص” أو طلائع أو كتائب الشباب. علاقات ممتدة العلاقات والروابط الوثيقة بين الملالي والإخوان قديمة، حيث وجد الطرف الأول”قبل وصولهم لحكم إيران” في الطرف الثاني نموذجًا ملهمًا، بينما وجد الإخوان في الملالي بعد عام 1979 نموذجًا للاستلهام وفتح شهيتهم للانقضاض على السلطة. وتشير مصادر الإخوان أن حسن البنا التقى بآية الله الكاشاني، أثناء زيارة الحج عام 1948، واتفقا فيما بعد على نقاط عدة ستشكل أساس العلاقات بين الجانبين. وفي عام 1954 حل مؤسس منظمة “فدائيو الإسلام”، مجتبي نواب صفوي، الذي كانت تربطه صلة قوية بآية الله الكاشاني، ضيفًا على قادة الإخوان، وأجرى معهم مباحثات أدت إلى تطور العلاقة بين الجانبين. ولا يوجد قيادي إخواني لم يشد بثورة الخوميني، كلهم أشادوا وأيدوا؛ عمر التلمساني ومهدي عاكف ومحمد بديع، وعبدالسلام ياسين(إخوان المغرب) وراشد الغنوشي (إخوان تونس) وحسن الترابي (إخوان السودان) وخالد مشعل(إخوان فلسطين) وأردوغان (إخوان تركيا)، والكثير من قيادات الإخوان حول العالم العالم. وقد نقل المرشد الإيراني علي خامنئي فكر الإخواني سيد قطب إلى الفارسية، خصوصًا كتابيه “مستقبل هذا الدين” و “الإسلام ومشكلات الحضارة”، وهي كتب مرجعية تدرس في الحوزات، وكانت أفكار قطب محطة مفصلية في تكوين نظرية”الولي الفقيه” الإيرانية. وفي عام 2012 كان الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، أول رئيس مصري يزور إيران الملالي، ليؤشر ذلك إلى استئناف العلاقة على أعلى المستويات، بعد قطيعة طويلة منذ عام 1980، وفى عام 2013 كان محمود أحمدي نجاد أول رئيس إيراني يزور مصر منذ 1979، ويتجول في أزهرها ومساجدها رافعًا علامة النصر. وفي النهاية اجتماع إسطنبول بين إيران والإخوان برعاية أردوغان الذي كشفته”نيويورك تايمز” أكد مجددًا أن الإخوان حصان طروادة لتدمير الدول العربية.
مشاركة :